مع مجرى النهر ...تمضي الذكريات7
صندوق فضي ...رأيت فيه امل ووجدت فيه تحقيق حلم,صندوق ظل براقا رغم تقادم السنين ورغم كونه محفوظا داخل الصندوق الحديدي الكبير نسبيا والذي تم فتحه اخيرا .
همست انه هنا ...هنا ...واشرت بيدي الى ابي ....قائلة:
-هذا هو صندوق مدخرات جدي ....اليس كذلك...؟
ظل والدي محدقا بالصندوق الفضي الصغير والذي تدلى منه قفل صغير راح والدي يبحث عن مفتاحه بين سلسلة المفاتيح ولا شك انه سيكون مميزا بحجمه الصغير ...
كانت اللحظات تمر وانا ارسم في مخيلتي الف خطة وخطة وفرح كبير يغمر نفسي ويثلج فؤادي ودعاء بالحمد والشكر لربي اذ هيألنا هذا الباب من الرزق الحلال الذي لم يكن بالحسبان ...وعدت اهتف:
- افتح ياسمسم ...افتح ياسمسم...
حدق ابي بوجهي كأنه يستنكر عبارتي فابتسمت وخفضت بصري وهمست هكذا في قصص التراث ... بعد لحظات اضفت :
- لاشك اننا سنظفر بثروة لابأس بها ان لم تكن كبيرة .............
اخيرا تمكن والدي من فتح الصندوق وقبض بيده على رزمة من الاوراق المالية بينما في اسفل الصندوق عدد من العملات المعدنية وايضا منديل جدتي وفيه عقدها واساورها وخواتمها واقراطها وكثير من القطع الذهبية التي كنا نظن انها سرقت ضمن ما سرق من البيت عندما كنا منشغلين بأعداد مأتم جدي وجدتي اللذين قضيا نحبهما بحادثة سير وهما في طريقهما لأداء مراسم الزيارة الاربعينية للأمام الحسين عليه السلامففي ذلك الوقت اجتمع عدد كبير من الناس وفتحت ابواب الغرف المختلفة وشغل الجميع عن المراقبة لما دهانا من حزن والم خاصة حين احضر نعشيهما وادخلا البيت من اجل وداعهما والقاء النظرة الاخيرة ...لازلت اذكر وانا اذ ذاك في الخامسة من العمر ....ابكي مع الباكين وارى الجميع يحيطون بالنعشين الموضوعين بغرفة جدي وكنت اتساءل هل على الزوجة ان تموت مع زوجها فيشتد حزني ويزداد خوفي وانا افكر في انني سأفقد أمي وابي في لحظة واحدة كما فقدت جدي وجدتي في لحظة واحدة بل وامتد تفكيري الى ابعد من ذلك اذ فكرت بانني سأفقد سامح وزوجته المستقبلية وكذلك راجح وزوجته المستقبلية ...ها ...اذن انا ايضا سأموت لحظة موت ....لم استطع ان انطق بالاسم حياء .....كنت لم ازل استذكر تلك اللحظات حين سمعت والدي يقول :
- انها ثروة ....الحمد لله لقد آن لي ان اسدد ديوني واقف على قدمي من جديد ....
هنا عصفت رياح قوية وصارت الصور تختفي من امام ناظري َّواحاطني غبار كثيف كدت اختنق ورحت اشهق وتهدج صوتي وانا هتف :
- ابي ...ابي...امي ...أمي ...
ثم لم اعد اشعر بشيء ....................
- أين انا...؟
تحركت شفتاي بنبرة ضعيفة يكاد صوتي لايسمع قائلة:
أين انا...؟
حين فتحت عيني للحظة واحدة عدت واغمضتها إذ آلمني الضوء الذي واجهني ...كنت اشعر انني خرجت من نفق مظلم الى مكان شديد الاضاءة يعجز بصري عن النظر فيه .ليس هذا فحسب بل كنت اشعر انني بت ريشة في مهب الريح وانا اشبه بمن حمل على سحابة ارتفعت الى الفضاء وها هي تهبط الى الارض, اشعر بثقل اعضائي بعد ان فقدت الاحساس بها قبل ذلك اشعر بتحرك دمي في شراييني واوردتي من جديد ...دمي يجري في عروقي شيئا فشيئا كأنني ميت يستعيد حياته شيئا فشيئا ,استرق السمع ,يقال ان السمع هو آخر حاسة يفقدها المرء عند الموت ....آه ...انا لست بميته أذن ...
- آه .. .آه...
انساب الى مسمعي صوت كأنني الفيته من قبل يتساءل:
- ها ...كيف أنتٍ الان...؟
حاولت ان افتح عيني مجددا فطالعني وجه أمي وكانت متعبة بل وقلقة.
- اين أنا...؟
- اعدت تساؤلي وكان صوتي ضعيفا مرتعشا وقد بذلت جهدا عظيما لكي احقق توازني وما تمكنت منه الا بعد ان ارتكزت بيدي على الوسادة التي وضعت لاتكأ عليها.
- انك هنا ,في بيتك ,وعلى فراشك.
قالت أمي مجيبة تساؤلي .
- اذن انا لست في غمامة ولست كريشة في مهب الريح...؟!!!
اثار تساؤلي هذا عجب امي ودهشتها وزاد في قلقها وخوفها عليَّ فنظرت اليَّ بعينين دامعتين وامسكت بيدي قائلة في تساؤل مستنكر:
- سماح ...ماذا تقولين ...من اين جاءك هذا الشعور...؟
لم ادعها تكمل كلامها وتساؤلها وبدأت احدثها عما رأيت وسمعت ..............
كان حلما أو يقظة مذ كنت امسك بسلسلة المفاتيح ودخولي الى السرداب وفتح الصندوق الحديدي الخاص بجدي والعلبة الفضية التي وجدنا فيه الثروة والمخشلات الذهبية الثمينة الخاصة بجدتي.....!!!
فغرت فاها وكأنها تستمع الى قصة من قصص الف ليلة وليلة ....
..............
اخبرتني امي الحقيقة التي كانت حلما بالنسبة لي إذ قالت:
قبل هذا اليوم بعشرة ايام وحين عادت من السوق صباحا فلم تجدني رغم انها نادت عليَّ بصوت عال ,لذا راحت تبحث عني في جميع الغرف ورغم ذلك لم تجدني وحين وصلت الى قرب السرداب وجدت بابه مفتوحا فعجبت لذلك وهبطت الدركات فوجدتني مطروحة على ارضية السرداب فاقدة الوعي والدم يسيل من انفي وفمي ......................
منيرة عبد الأمير الهر
التعليقات