قراءة في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)10
يرى بعض العلماء أن الدعاء هو الرغبة إلى الله تعالى ومعناه استدعاء العبد لربه ليستمد منه المعونة وحقيقة إظهار الافتقار لله تعالى والتبرؤ من الحول والقوة، ولا بد من قراءة أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) بوعي كونها تعد من أفضل أساليب التربية تأثيراً، وشكلت ثروة روحية وفكرية، علمتنا ضرورة أن نشعر بالتقصير أمام الله سبحانه تعالى، والمسألة الثانية أن للدعاء أحساس إيماني عميق ينفتح بآفاق إنسانية خلاقة، مشاعر روحانية وقيم فيها حياة، يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) إن لله (عز وجل) منزلة لا تنال إلا بمسألة.
سماحة السيد الصافي ركز على قضية مهمة هي وسيلة الدعاء، تهذيب وتعزيز الطلب، الذي يبدأ عند الإمام السجاد (عليه السلام) بالتمهيد ثم المقدمة وهو بين موارد الثناء وموارد الحمد، وهو أسلوب تربوي التحميد والثناء، ومسألة الاعتراف بفقر العبد وطلب الحاجة، والعنوان الأول الاستقالة من الذنوب وطلب العفو، وهناك موارد ذكر الدعاء وجاء في القرآن الكريم (ادعوني استجب لكم) وكأن شيئا متوقف على شيء، ونقرأ (أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء)، وهذا مورد الحاجة يقول الإمام السجاد (عليه السلام) (وأنا يا إلهي عبدك الذي أمرته بالدعاء فقال لبيك وسعديك) سماحة السيد يرى أن القضية تذهب لعدة محاور:
المحور الأول: الدعوة
(أدعوني) الخطاب من عند الله سبحانه تعالى، وأرضية الخطاب البعد الروحي، تتحول العلاقة بين الأنا الإنسانية والأنا الإلهية إلى علاقة عشق روحية، لذلك التعبير عن الدعاء بأنه مخ العبادة وادعوني تعني الانقياد لله تعالى، فقال سبحانه تعالى أدعوني، لا بد أن أدعوه؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي طلب مني، بعدما أمرتنا يا الهي بالدعاء قلت لبيك وسعديك، أني أدعو، هيأت نفسي لأن أقف هذا الموقف.
المحور الثاني: الثقة
لابد للإنسان أن يعي قضية الكيفية الروحية والنفسية التي يتوجه بها إلى الله من صدق التوجه والإخلاص في الدعاء، والثقة بالله واستشعار الحاجة والفقر إليه، الثقة بالله تبارك وتعالى مهمة أن يكون ظن الإنسان بالله حسنا دائما، بمعنى لا بد للإنسان أن يتهيأ لكل الأشياء التي أرادها الله سبحانه وتعالى
الرغبة الإنسانية ليست هي التي تقرر سير الحوادث والدعاء لا يخرج عن حدود التقدير والتوجيه الإلهي، الإنسان يمتلك قصور رؤية وضيق أفق، لا بد من الخضوع لإرادة الله تعالى والتعامل مع الرحمة الربانية.
المحور الثالث: الاعتراف
يعني أن الاعتراف المسبق بالعبودية "عبوديته ووحدانيته" والاعتراف بين يديه بالذنوب وإظهار الحاجة والفقر وهذا يحتاج للإحساس الصادق بقبول التوبة والاعتراف بالذنب. ويرى سماحة السيد أن مثل هذا الاعتراف لا ينبغي أن يولد عند الإنسان الشعور بالفضيحة، لأن الله تعالى مطلع على جميع الأعمال أعترف الإنسان أو لم يعترف، والاعتراف إقرار بالرغبة إبدال السلوك، يريد الإنسان أن يقول إلهي قد أذنبت وجئت تائبا فاقبلنا، الفحوى المضمونية في ذلك الدعاء الشامخ من الأساليب، واستوقفني الكثير من التأملات العميقة في هذا المضمون:
1) التمثيل:
سماحة السيد الصافي تأمل في مفردة (مطروح) الإمام (عليه السلام) يقول: (وها أنا يا رب مطروح بين يديك)، أي بمعنى الامتثال أنا امتثلت لك وطوع أمرك فاصنع بي ما شئت.
2) التصوير:
يقول الإمام السجاد (عليه السلام) (أنا الذي أوقرت الخطايا ظهره) صور الذنب بالشيء الثقيل على الظهر، هذا تطوير الحالة تصور لنا الإنسان وهو يحمل الإثقال ويئن بثقلها ويكون محدودب الظهر، ويتوسع السيد الصافي في مفهوم الوقر الثقل، فهو اشتغل على مساحة نفسية إذ نسب الفناء إلى الذنب (وأنا الذي أفنت الذنوب عمره) بؤرة مضمونية لا بد الانتباه عليها، الإمام أراد أن يصور لنا أن الإنسان عبارة عن قطعة من الذنوب التي أودت ظهره وعمره وقد فني كله بالذنوب، إشارة بليغة لمعنى الانغماس في الذنوب، ليصل بنا إلى مفهوم أوسع هو سبب هذا الانغماس وهذا العصيان يعود (وانا الذي بجهله عصاك)، هنا يرى سماحة السيد أن مفهوم الجهل ليس معناه عدم العلم، بل يرى أن تلك الجهالة تعني السفاهة أي بمعنى أني لم أتدبر عاقبة أمري فعصيتك.
الإقدام على المعصية هو عين الجهالة، قد يسوف العاصي لنفسه التوبة بعد الذنب، فتنقاد إلى المعصية، وهذه مانعة للتوبة مهما بلغ العمر، لا تولد عند النفس إصرار على التوبة وهذه جهالة، لكونه يعلم بها لا يجهلها، وجاء في كتاب المصابيح كثير من المسائل التي يجب التركيز على مضامينها ومنها قضية الأقبال على الله تعالى، أثار العديد من المرتكزات المهمة في هذه القضية منها:
- الاثر الروحي:
أثار أئمتنا (عليهم السلام) هذه القضية بأطر متعددة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله "عز وجل" لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه) وهو مأخوذ من كلام جده أمير المؤمنين (لا يقبل الله دعاء قلب لاه)، وكل إمام
له دعاء مرتبط بالله تعالى بصورة أو بأخرى؛ لأن عملية الدعاء لله تعالى له أهمية كبيرة.
- الأثر المعنوي:
التركيز على هذه الأمور بالدقة من المطالب المهمة جدا، التي تزيدنا إيمانا وترسخ عقيدتنا وتزيد من معنوياتنا النفسية، فليس الدعاء لمجرد استئناس ذهني أو لقضاء وقت بل مهمة في تأثيرها الإيجابي.
- الانتماء:
نقطة جوهرية أثارتها هذه التحليلات المهمة، فهذا الكم الهائل من الأدعية ورثناه، وهو مسؤولية لا بد أن نتحملها كونها تعني جوهر الانتماء لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
علي حسين الخباز
التعليقات