جمهورية النبأ العظيم - الخطوة الأخيرة (سمة الدخول)
ما يجب وما لا يجب في انتظار الخليفة
كيف لي أن أطلب من الله ظهور الخليفة ، وأنا أعلمُأن كلَّ شيء بيد الله تعالى ، إن شاء أظهرهُ وإن شاء منعه منّا ، وهل طلبي واجب أو مستحب ، ورُبَّما لا هذا ولا ذاك ، وإذا كان يوم الظهور أشبهُ ما يكون بيوم القيامة ، فهل عليّ بالمحصلة أن أدعو الله بحلول يوم القيامة ،
بدايةً نقول ، لماذا ندعو الله ، ولماذا يطلب منّا الله أن ندعوهُ ، وهو يعلم ما في قلوبنا ،
وقد مرَّ علينا الجواب : فالدعاء اعتراف بالوحدانيَّة ، واعتراف بقدرة الباري -عزوجل- على أنَّهُ تعالى القادر على تحقيق ما تطلب ، وبأنك كعبدٍ تلجأ إليه ، دون استعلاءٍ منك ، ودون أن تتكبر من أن تتصاغر لتطلب منه ،
وبهذا فالدعاء لظهور الخليفة ، هو إقرار بأيام الله ، وبالتالي فهو إقرار منك بالوحدانيَّة ، وإقرار منكَ بحق الله أن يحكم أرضه من خلال من اختارهُ مُمثِّلاً لهُ ، وإقرار منك ببغض الظلم والجور الذي ملأ العالم ، وإقرار منك بحبك وشغفك للعدل القادم ، على يدي الخليفة ، وإقرار منك بمناصرة الخليفة ، وتعهد منك بمساندة دولته ودعمها ، وإقرار منك بالتبرئة من كلِّ الحُكام الظلمة والطُغاة ، وإقرار بالآيات والأحاديث الشريفة التي أتت ببشارة الظهور ، بعد أن فهمتها كما ينبغي وأدركت حكمتها ، وإقرار بتخليك عن بهرجة الدنيا وملذَّاتها ، وإقرار منك بالالتفات إلى الآخرة والسعي لها ، وأخيراً نرى أهمها ، إقرار وإيمان بالغيب ، فكل الغيب الذي أمرنا الله أن نؤمن به ، لا يُمكن طلبه ، فلم نر من أحد طلب أن يقبل علينا يوم القيامة أو أن يرى الملائكة ، أو ما إلى ذلك من الغيبيات ، لكنَّ يوم الظهور ، ينفرد بكونه الغيب الذي يُمكن أن نطلبه ، وبالتالي ، فالإيمان والدعاء بالظهور ، هو إيمان بكلِّ الغيب ، الذي سيُمثَّله الظهور .
كلُّ هذا في الدعاء الذي تدعوهُ في الظهور ، ولكنْ عليك أن تفهم ما تقدم وتعقله قبل أن تدعو ، لتعرف ما أهمية دعائك وما ينضوي عليه دعائك من أمور ،
وإن من يرجو مجيء يوم القيامة ، عليه أولاً ، أن يرجو ظهور الخليفة ، لأنَّ ظهور الخليفة ، دليل اقتراب يوم القيامة ، ولأنَّ يوم القيامة لا يمكن أن يحلَّ علينا ما لم نر يوم الظهور ، بدليل قول الرسول الكريم الذي مر بنا مراراً وتكراراً ، أن لو بقي في الدنيا يوم واحد لظهر من ولد الرسول الكريم من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، ونعلم أن الفرق بين القيامة والظهور ، فرق عظيم وكبير ، فالقيامة بعد فناء الخلق ، أمّا الظهور ففي حياتنا الدنيا ، وحيث يكون لكلٍّ منّا دوراً ، سلبياً أو ايجابياً ، وذلك في أن تُمْلأ الأرض عدلاً وقسطاً ،
وتأسيساً على ما تقدم ، فيجب أن أرجو الله بأن تُملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، ولكن ذلك لن يكون بالدعاء ، فإنَّك لو اكتفيتَ بالدعاء ، أكتفى الله أن يعطيك أجر ما دعوته فقط ، دون أن يجيب طلبك ، لأن شرط إجابة الله لطلبك ، أن تعدل أنتَ في كل شيء وبكل شيء ، مع الزوجة والأولاد ، مع من تحت إمرتك ومن أنت تحت إمرته ،
وهذا القول يخالف قول الفاسدين ، الذين يدَّعون أنَّ بنشر الرذيلة سوف يتحقق الظهور ،
ولكي تُحقق العدل ، يجب أن تفهم العدل ، كأن تفهم حب الله لعباده مع حبه لنشر دينه ، فقضية العدو أمامكم والبحر وراءكم ، يقولها القوم للمفاخرة ، لكنَّها من خصال الجاهلية ، ومن طباع الطواغيت ، فالداعي لهلاك العباد من أجل نشر الدين ، كالداعي لهلاك الدين قبل العباد ،
فما يجب في انتظار الخليفة ، أن ننشر العدل الذي يدعو له هو ، وبالطريقة التي يدعو بها هو ، وبذلك تتخذ وظيفتك في دولة الخلافة ، أي ما يجب عليّ وعليك في انظارنا لخليفة الله ، أن نريه وظيفتنا وقدرتنا على أداء الأعمال التي سيكلفنا بها ، ابتداءً من الاتزان في معاملة الزوجة ، واحترام الأبوين ، ورحمة من هم تحت رعايتنا ، مروراً بالإحسان وعدم خسارة الميزان ، والنظر في كل صغيرة وكبيرة من شأنها ، أن تثبّت عدلك الذي ترجو من الله أن يُنشر ،
فهذا ما أرادهُ الله منّا ، لا الغزو والتكفير والقتل ، فما أهون على الله أن يهلك قرية لو أراد ،
لكنَّه تعالى يحب عباده ، ويريد أن يدعوهم لحبِّه ، ولم يخلقهم ويدر معايشهم ليهلكهُم ، لذا أرسل الأنبياء ، فما لك لا تكون وكيلاً لأنبياء الله ، بأن تهدي عباده له ، لا أن تغزو قرية لتنهب ممتلكاتها ، فلست عند الله بأكرم ممن غزوته ، لولا أن تيسر لك من يهديك ، فبخُلتَ أن تهدي غيرك ، فحين يرزقك الله مالاً وفيراً ، عليك لأجل شكر الله وحمده ، أن تتصدق منه على الفقراء والمحتاجين ، فقد رزقك هداه ودينه الحق وعليك نشره ، بكل رحمة وتواضع ، لا باستعلاء واستكبار ،
ولتترك منهج الزمر الجاهلة ، التي تُصعِّر خدها للناس ، فهكذا جاء في كلام لقمان الحكيم ، الذي ورد كآية قرآنية :
( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )﴿١٨﴾لقمان.
((للناس))هكذا يأمرنا الله ، فما يقوله لقمان هو منهج الأنبياء ، ومنهج الأنبياء هو منهاج الله -جل جلاله- ،
والناس هم المؤمن والكافر ، والكافر هو المؤمن لو أنَّك استطعت هدايته ، إلّا الجاحد والمعاند بعد طول المحاولات ، فما عليك منه في شيء ،
(لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)﴿٢٧٢﴾ البقرة.
وليس عليك هداهم ، أي لن تحاسب على عدم وصولهم مستوى الهداية ، فقد أنفقت عليهم ما يكفي من الوقت والجهد لتهديهم ،
وطبعاً أهل الشعث من المفسرين ، لمّا رأوا الآية التي تسبقها وتليها ، تتحدث عن النفقات والصدقات ، اتهموا الرسول بأنه كان لا ينفق من مال المسلمين على المشركين ، والله يريده أن ينفق عليهم [أوضحناه في مبحث سابق] ، فلم يفقهوا بعد ، أن [ما تنفقوا من خير] هو بذل الوقت والجهد لهداية الناس ، وما ينفق من كلام طيب ولين في التعامل والرشد ،
فانظر ما جاء في تفسير الطبري ص[٤٦]لهذه الآية :
(( قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام ، فتمنعهم صدقة التطوع ، ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها ، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له ، فلا تمنعهم الصدقة.
[٦٢٠١]- حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن شعبة ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق على المشركين ، فنـزلت -وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله – فتصدق عليهم ،
[٦٢٠٥]– حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال: أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ، ويريدونهم أن يسلموا ، فنـزلت : - ليس عليك هداهم )) ،
وعلينا هنا الانتباه ، كيف أنهم – جماعة المفسرين – يعرفون جيداً أن أمر الله لنبيه ، يعني أمره لأمَّته ، لكنَّهم في مواضع أخرى ، وحين تكون الإشارة لما يكرهون من أفعال ، فهم يتنصلون عن أن يكون الخطاب لهم ، بل ينسبونه لنبيهم -حاشاه- كقوله تعالى [عبس وتولى] ، بغض النظر عن قول الشيعة من أنَّه عثمان أو غيره ، أو قوله تعالى [ووجدك ضالاً فهدى] ، فكلّ تلك الخطابات وما دامت تُسيء لنبيهم ، فهم يوجهونها إليه -حاشاه-، وما عداها ، فهُم يقرون بأنَّها تعني أمّة الرسول ، وحتَّى هُنا لم ينسبوها دون أن يشركوا الرسول ،
والمهم أن نعلم ، أن منهج الحق لو كان يدرك بهؤلاء ، لما مُلئتْ ظلماً وجوراً ، ولمَا كان هناك من داعي لظهور الخليفة ، فظهوره يؤكَّد أن الرسول الأعظم ، ترك فينا الثقلين ، كتاب الله وعترته آل بيته ،لكننا لم نكترث لوجودهم ،
كمن ينشأ مدرسة ، فيها المناهج الدراسيَّة ، وفيها الأساتذة من المتخصِّصين في تدريس تلك المناهج ، ولا نفع بمن يُنشأ مدرسة تخلو من أحد الأمرين ، كما لا نفع في أن تعلم العدل ولا تعمل به ، أو أن تفهم العدل على وفق ما تريدهُ أنت ، أو ما يريده خدم السلاطين ، فما أوقع إبليس فيما هو فيه ، هو عدم اتخاذه لولي له في الدين ، وحين عيَّن له الله الولي من بني آدم ، رأى في جنسه الأفضليَّة ،
وهذا بكل اختصار ما يجب وما لا يجب في انتظار الخليفة ، ما يجب من أن نتخذه من مواقع منذ هذه اللحظة ، وما لا يجب من اتباع من هم أدنى من أن نتبعهم :
(قُـــــــلْ هَـــــلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ﴿٣٥﴾يونس
والله يهدي للحق تعني أن منهج الأنبياء والأولياء من آل بيت الرسول ، هو منهج الحق ، إذ كيف لنا أن نرى هُدى الله إلّا من خلالهم ، فهُم الله من حيث شريعته ، وهم عباد الله من حيث إنَّهم مخلوقاته ،
وإذ وعدنا الله تعالى أن يلتقينا ، وحاشاه أن يلتقي بنا ، أو يحلّ معنا بذاته ، إنما لقاؤنا به سيكون عن طريق أنبيائه وأوليائه ، وقد مرّ بنا الحديث عن أنَّه سبحانه علم عجزنا عن اِدراكه ومعرفة كنهه ، فتمثل لنا كمنهجٍ للعدل والإنصاف والمثل السَّامية ، وهذا ما يُهمنا بوصفنا خلقاً ، وعن طريق من خلقهم تحددتْ الوجهة الصحيحة والطريق المستقيم الأقرب لمعرفة الله وإدراك رضاه ،
فلنفترض وجودك جنوب الكعبة ، فمن الطبيعي أن تتجه نحو الشمال لتصلي حتى تكون وجهتك للكعبة ، فيكون بعدك عنها مساوياً لبعدك الحقيقي عن الكعبة ،
لكنك حين توجه وجهك جنوباً لتصلي ، فتكون الكعبة خلفك ، على أساس أنك بالنتيجة ستكون مواجهاً للكعبة ، أيْ لو مددنا خطاً مستقيماً من نقطة صلاتك حول الكرة الأرضية ، سنصل بالتأكيد إلى الكعبة ، وذلك بعد أن اكتملتْ دورة كاملة تقريباً حول الأرض ، منقوصاً منها بعدك الحقيقي عن الكعبة ،
فالاتجاه الأقرب يمكن تسميته سبيل الله ، وهي وجهتك شمالاً لتكون الكعبة أمامك ، وعكسه هو بُدع السبيل إلى الله ، فمن الناحية العمليَّة كما مرّ بنا ، تكون وجهتك للكعبة صحيحة بما أن الأرض كرويَّة ، ورُبَّما قيل إنك بالاتجاه الأكثر بُعداً ستمر بصلاتك على أقطاب الأرض ، والبقع المباركة ، وبهذا تنشأ البدعة ، وتجد من يعقلها ، ومن تنسجم وتطلعاته ، فقوم طلب منهم الله فقط ، أن يدخلوا الباب سُجَّداً ويقولوا حطّة ، فلم يفعلوا ، فلا تعجب بعد ذلك من أيِّ انحراف لبني آدم ،
وفي الغالب ما تكون البدعة على أساس الخير والأفضل ، كتفسيرهم قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)﴿١٨٤﴾البقرة.
بأنَّ من كان على سفر ، فخير له أن يصوم ، وباستخدام طريقة قياسهم ، فمن صلَّى إقامة ، بدلاً عن قصر صلاته، فهو خير له ، وصيام الحائض خير لها ، وهكذا تتوالى البُدع ، باسم الخير والأفضل ، كصلاة التراويح جماعة ، والإقرار بدل التبني ،
ولكنه تعالى أردف الآية أعلاه بآية أخرى : -
(وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)﴿١٨٥﴾ .
فأين إن تصوموا خير لكم ، لو كان القصد فعلاً ، يشمل الصيام في السفر ، إنَّما يقول سبحانه ، أريد لكم اليسر ولا أريد بكُم العسر ، وهذا اليسر ، قدّره الله لنا ، وإنْ رأيتَ قدرتك على إتمام الصيام في سفرك ، أمّا لمن لا يطيقه فتقديره لمن لا يطيق الصيام ، وكثيراً ما أسمع امتعاضاً من المسافرين ، ورأيهم بإتمام الصيام ، ولو ألزمه الله علينا لضجرنا ، فما يزعجك أن تلتزم بالسماح ، ما دام مباح ، ومن
لا يختار ما يسّرهُ الله لنا ، سيختار لنفسهم العُسر ، في دنياه وآخرته ،
ومن قبيل الالتفاف على النصوص القرآنية ، والأوامر الربَّانيَّة ، فيسوُّل لهُم الشيطان اِتباع أهوائهم ، والتشريع بدلاً عن الله -جل جلاله- ، ولو كانوا بدلاً عن إبليس ، لمَا سجدوا لآدم بحجة أنهم لا يسجدون إلّا لله ، وهذا ما نحن فيه ، منذ أوّل الرسالات السماويّة ، وكيف يمهِّد الشيطان للكثير مِنَّا الخروج عن منهاج الله ، حتى بحجة الأتباع الأفضل لمنهاج الله ،
ومن يريد ظهور العدل الإلهي ، فعليه أن يُجنِّد نفسه لنشر العدل ، لا لنشر الرذيلة ، وما أن يجهد ، فسيدخل دولة العدل الإلهية كمواطن فعّال بعدله وإصلاحه ،
وفي اللحظة الأخيرة ، لحظة ما قبل دخول بوابة دولة الخلافة ، عليك أن تخرج من صدرك كُلَّ الممنوعات ، فهناك جهاز لكشفها شبيهاً بجهاز كشف المعادن ، ما أن يتحسس بوجود أي نوع من أنواع الممنوعات ، ولو بنسبة ضئيلة جداً ، فسيعلن عدم دخولك ، كالقليل من الشرك ، وهو أن تحبَّ عدواً من أعداء الله أو تستهويك أفعاله أو أقواله ، ولو على أساس عدو آخر ، فيعجبك فعل عدو على أساس ما قام به ضد عدو آخر ، كأنْ تعجبك أفعال أو أقوال فرعون أو هتلر مثلاً ، كُرهاً منك للكيان الصهيوني ، أو أن تمجِّد عدواً لله تاريخياً كحمورابي ونبوخذ نصر ، على أنَّهُما يُمثِّلان تقدُّم الحضارة لشعب الرافدين ، فما ترك حمورابي في مسلّته ، إلا أحكام تُعادي الله والبشريَّة ، والقوانين الجائرة التي تركها دليل جبروته واستعلائه ، كذا مودّة أعداء الله بدوافع قوميَّة أو وطنيَّة ، ولرفع اللبس الذي من المُمكن حصوله في حديثنا عن القوميَّة والوطنيَّة ، فكلامنا جدُّ لا يعني الطعن بالروابط القوميَّة والوطنيَّة ، بل في تقديم تلك الروابط على رابط الدين ،
لذا ستكون شخصيَّة الداخل لدولة العدل ، شخصية المتصالح مع نفسه بعد أن روضها ، والمتخاصم مع أعداء الله بعد أن حددهم ، لا ذلك المتصالح مع كل الناس إلى درجة النفاق ، والمتخاصم معهم إلى درجة الحقد والشقاق ،
ونأتي الآن لأمر في غاية الأهمية ، وهو المُتعلّق بشخص من يريد الدخول لدولة الخلافة الإلهية ، هل ينبغي أن يكون بمستوى العالم المُتفقِّه ، أو المُتعلِّم على سبيل النجاة ، أو يُمكنهُ الدخول وإن كان لا يفقه شيئاً ،
الأساس أن دولة الخلافة ، لا تناصر أو تعادي أحداً من الخلق ، على أساس حصيلة فقهه وتعلّمه ، بل على أساس طلبه للعدل الإلهي ، ومودته لله ولرسوله وآله ، وقدرته على الإنجاز لأمر ما ، من أمور بناء وقيام الدولة ، بعد الدفاع عن طلعتها الأولى ، وحمايتها وتدعيم الأمن فيها ،
ولكن من يريد أن يكون مناصراً لدولة الخلافة ، وجندياً من جنودها ، فلا يمكن قبوله إلا بشرطين لا يمكن الاستغناء عنهما البتة ، على الرغم من تحليه بصفاة العبد الصالح ، وسعيه للوصول للمنهج الحق ،
الأول: وهو تعرفهُ على من عادى الرسول وآل بيته ، ومن ناصرهم ونهج نهجهم ، مع أن سعيه للوصول للمنهج الحق ، لابد وأن بيّن له ذلك ، وإنَّه إن لم يعرف ، فلن يتعرف على الخليفة ابتداءً ، ولن يساير عدله وأوامره ، لأنَّهُ لن يفهمها ، ولن يستوعب الحكمة ولا الأحكام ،
والثاني: أن يكون قد كسب خيراً ، من طول إيمانه بدولة العدل ، وهذا ما قلنا عنه ، تطبيق العدل في حياته ومع من حوله ، وهداية الناس وتنبيههم لأيام الله في الأرض ، وحذرهم من القنوط من رحمة الله ، باليأس من الظهور ،
اهدي كتاباً ، أنشر مقالاً ، تكلَّم بحديث ولو في المقهى ، علّم أولادك ، طوّر جهازاً أو سلاحاً ، صمم مشروعاً ، أو ركَّب دواء ، تدرب لتكون قوياًّ وصبوراً ، أرسم ولو لوحة لتعبِّر عن الظهور المُبارك ، كل هذا وغيرهُ الكثير والكثير ، تحتاجه دولة الخلافة الإلهية ،
لن يأتي الخليفة ليفعل كل هذا بالمعاجز الإلهية ، وإلّا لاكتفى جيش الرسول بخمسة آلاف من الملائكة ، دون أن يخرج ، ولقد تحدثنا ، بأنهم ولولا خروجهم ، ولولا إيمانهم ، لما عززتهم السماء بملاكٍ واحد ،
والعلوم التي سيأتي بها الخليفة ، لن تنتفع بها ، ما لم تكن مفكراً ومكتشفاً ، وعالماً ضمن اختصاص معين ، والمعاجز التي سيأتي بها الخليفة ، لن يستخدمها إلا بعد عجزنا عن مساعدته ، والخير في أن لا يستخدمها ، أو أن يستخدم القليل منها ، لأنَّ كل ذلك من أجورنا ، ولنتذكر الأجر الذي كسبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -ع- ، في قتله لابن ود العامري ، فلولا بسالة الأمير وقوته ، لكان على الملائكة أن تتدخل لتنقذ الموقف ، بريح عاصفة أو سيول جارفة ، وبالنتيجة ، لا أجر لأحدٍ في الخلاص من ابن ود العامري ، لكنَّهُ صلوات الله عليه فاز بالأجر كله ،
ولو لم يهاجر المسلمون إلى الحبشة ، كان على الملائكة حمايتهم ، أو فقدهم منذ بداية الدولة الإسلامية ، لكنَّهم أخذوا الأجر بدلاً عن الملائكة ، وتحمَّلوا عناء السفر ، بدلاً من أن تحميهم الملائكة .
وبهذا ، ولأجل اكمال الخطوة الأخيرة ، فعليك بأمرين ، أمر تمنعه ، وأمر تدفعه ، الأول : سمة الدخول ، وهي في أن تمنع هواك أن يميل مع أيِّ عدو لله ولأنبيائه وأوليائه ، أيَّاً كانت دوافعك، حتى ولو صلة قربى ، أو رابطة قومية أو وطنية ، والثاني : أن تدفع تعريفة ورسم الدخول ، وهو أن تختار ما تقدمه لدولة الخلافة ، وتجهز به ، فالدولة تحتاج لمناصرين ومشيدين لمجدها ، ولا تحتاج لمجرَّد من يقيم بها ، فما أسوأ حظ من يدرك إعلان دولة الخلافة ، وهو لا يملك ما يقدمه لدولة الخلافة ، لعجزه وتأنيه في فعل ذلك ، لا لعجز قدرته وضف امكانياته ، ولو أن الدولة لا تحتاج قدرات وامكانيات خارقة ، بل ما يدخل ضمن اختصاص عمل كل شخص ، والمهم أن تتهيأ لفعل ذلك .
علاء الصائغ
التعليقات