المقدس
المؤنس المجد الذي أراد دائما أن يستنهض الهمم لم يعد احد يستمع له ومنه تخنقه الوحدة والوحشة هكذا هي الحياة ذهب ما كان له من مقام ولم يعد احد يستمع له كل هذا بسبب تلك اللحظة التي تطاول بها بالحديث على من ظنه الناس سيدهم صرخ بهم بعلو صوته :- الجهل احيانا نعمة
لم يستمع له احد من الحضور انسحبوا لم يبقى معه احد تلفت يمينا ويسارا لم يعد احد قربه يا لبؤسهم تبا هذا ما ردده وهو يلملم اشياؤه ليخرج مسرعا من مكانه توجه الى الجبال التي رغب بالهروب اليها دائما لكنهم اوقفوه عده مرات وهو متجه قطع طريقه احد المارة ناصحا اياه :- إلياس لا تذهب هناك انهم يتربصون بك الصحراء دونك .
تريث قليلا وتذكر انه كان يحدثهم عن جمال الجبال وشموخها وكيف سيعتكف بها ويلجأ اليها في نهاية المطاف فقرر ان يسلك طريق الصحراء شاكرا لذلك الفتى تنبيهه له وتحذيره منهم
انه قوم جاحدون ناكرون لن تقوم له قائمه هنا كان لابد له من اخذ كمية اضافية من الماء
ما ان اسدل الليل ستارته المعتمة حتى سار داخلا صحراء لا يبدو ان لها نهاية لم يشعر بالخوف بل احس بالألفة شعر بان هنالك من يحثه على الاستمرار بالتقدم غائصا في عمق الصحراء بعد مضى ايام لم يعد يدري كم هي رأى بيرق يرفرف عاليا تقدم نحوه حاث الخطى اراد ان يلتمس شربة ماء ما ان وصل حتى رأى مدينة عالية الاسوار بيوتها ملونة بلون الدم ناسها طوال كثيفي الشعر هاله منظرهم فسقط مغشيا عليه استفاق على صوت ملائكي يترنم بكلمات غريبة .
الشجن الذي بصوتها آنسه وانساه خوفه خاطبها بصوت ضعيف :
- هل لي بشربة ماء
- دونك الماء فاشرب هنيئا
ما ان اختفى ظمئه حتى اقبلت عليه حاملة خوان به ما لذ وطاب
- كل وارتح وبعدها سل ما بدا لك
كانت الفتاة تمتلك وجها منيرا لم يرى مثله لكنها كان تحاول ان تخفي حسنها بشعر اجعد طويل ربما شغله حسنها عن الاكل رات ذلك فحدثته على الاكل قائلة:
- يجب ان تأكل
- حسنا
خرجت وتركته وحده اخذه النوم ثانية لم يستيقظ الا في اليوم التالي او كما هو اعتقد انه اليوم التالي
المكان هادئ جدا خرج للشرفة فاذا به يرى مدينة لم يرى مثلها من يسكنها طوال جدا لا تكاد ان تفرق بينهم خالجه بعض الخوف ثم استدرك مطمئنا نفسه لا داعي لكل هذا الخوف فانا لم افعل شيء كي اخاف استجمع شجاعته وخرج من باب الغرفة ليجد نفسه في ساحة قصر مليئة بالخدم تقدمت منه احدى الخادمات وهي ترتجف وبصوت مرتجف : - سيدي يريدك انه ينتظرك منذ ثلاثة ايام
- لكني هنا من يوم امس
- ايها الغريب لقد نمت يومين
- ماذا ؟ مستغربا
تقدمته لكنها وقفت بعيدا واشارت له ان يدخل القصر دخل فاستقبله رجل كبير بالعمر ربما تجاوز المائة عام خطواته وقورة وصوته ما ان تسمعه حتى تشعر انه يلامس روحك رحب به واجلسه قربه كان له عرش مبهر يخطف الانظار
- من اين انت ؟
- انا من قرية بالقرب من هنا تفصلنا الصحراء
- كيف وصلت الى مدينتنا ؟
- سيدي من الواضح اني تغلغلت عميقا الى ان وصلت وصدقا هالني ان ارى مدينتكم الجميلة وسط هذه الصحراء القاحلة
- هل تعلم من نحن ؟
- انتم ناس طيبون ساعدتموني حينما شارفت على الموت لذا انا مدين لكم بحياتي
- اذن ستعيش بيننا لسبع سنين وسنعلمك مما علمنا وسنسقيك من ابواب علم لم يعرفها بشر قبلك
هنا استدرك الفتى وانتبه انهم ليسوا بشرا واراد ان يسال لكن الخوف الجمه لاحظ الملك اصفرار وجهه وبهتان ملامحه بدأ كأنه سيموت رعبا طمئنه وقال :
- لا تخشى شيء انت في حمايتي وتحت رعايتي
ناوله املك خاتما وقال له :
- ان شعرت باي خوف من اي شيء فقط اظهر له هذا الخاتم وستكون بمأمن من أي خوف .
في صباح اليوم التالي ارسل له الملك شخصا كي يرافقه الى الدرس ذهب معه وبدأت رحلة طويلة واقبل على التعلم بكل شغف كان محبا للعلوم ولاكتساب المزيد من هذه العلوم الجديدة التي لم يعرفها من قبل .. احبه من كان هناك عدت السنون دون ان يلحظ ارسل الملك في طلبه واخبره انه يجب ان يذهب فقد انتهى وقته
- سيدي الكريم شكري لكرمكم ولما منحتموني فقد كنت جاهل تماما بما كشفتموه لي وكنت لن اصل اليه لو بقيت ادرس لمئة عام .
- ايها الحاجب ارسل مع إلياس الخدم اوصلوه الى ابواب المدينة وودعوه .
خرج من عند الملك يحمل الكثير من الجواهر التي اهداها له والدهشة والاستغراب وحيرة شغلة عن الانتباه لطريقة اذ كيف عرف الملك اسمه وهو لم يسأله قط .. اوصله الحراس الى ابواب المدينة وطلبوا منه ان يذهب باتجاه شروق الشمس وسيجد مدينة زرقاء فليتجنبها الى ان يصل الى ديار الجمر سيجد هناك من ينتظره .
استمر بالتغلغل بتلك الصحراء القاحلة متخذا شروق الشمس دليلا له ناسيا شكل ما كان به من عمران وهو بهذه الحالة من العطش والجوع اذ به يرى نار تلوح من بعيد توجس خيفة منها بعد ان تذكر ما قاله له ملك المدينة السابقة اخذ يفكر ما افعل لا يوجد مكان اختبئ به كمن في مكانه الى ان حل الصباح نظر اذ به محاط بمجموعة من الرجال غريبي الملامح صوتهم زمجرة غريبة لا يكاد يفقه منه شي اشار احدهم ان سر امامنا ارتعدت كل ذرة بجسمه لا يستطيع الوقوف سحبه احدهم احس كأنه ريشة بيده كادت القوة ان تخلع كتفه ساروا به وكأنهم يطيرون هنا اغمض عينيه واخذ يهمهم ببعض الكلمات التي تعلمها اثناء مكوثه بتلك المدينة لاحظ ان مشيتهم بدأت بالهدوء واصواتهم اخذت تتضح اكثر تبين من كلماتهم انهم يغنون بكلمات تصف شيء ما لا يكاد يفقهه وصلوا الى وجهتهم وهو مستمر بذكره لم يلمسه احد منهم وضعوه بكل هدوء تركوه ورحلوا مكث قليلا ثم جاء اليه شيبة وقور حدثه بلسان طلق :- هيا بنا ايها الفتى الغريب
بصوت يرتجف :- الى اين سيدي؟
لم يجب فقط رفع يده بمعنى اتبعني اخذ بالسير والفتى يسير خلفه لا يعرف لم لا يستطيع تذكر اي شيء ما ان نظر بعيني ذلك الرجل استمروا بالسير الى ان وصلوا الى غابة وسط الصحراء ذهل الفتى ما هذا اين انا ؟ افكار كثيرة تدور ولا يستطيع ان يسأل التفت الية العجوز واخبره اجلس تلفت الفتى حوله ولم يرى شيء لكنه جلس مفترشا الارض التي ما ان جلس عليها حتى اهتزت اسفله ليرى نفسه يجلس على كرسي مغطى بحرير و استبرق ابتسم وبقى صامت انشغل العجوز عنه بتركيب المحاليل التي تفوح منها عطور مختلفة اخبر الفتى بانه صديق الملك وانه قد اوصاه عليه وسيعلمه مما علم هنا اغمض الياس عيناها مبتسما شاكرا اخبره ان يرتاح هذا اليوم وغدا سيبدأ تعليمه ادخله لغرفه كبيرة وسطها طاولة بها كل ما لذ وطاب اخبره ان يفعل ما يشاء فهذا اليوم له وغدا سيبدأ التعلم ولن يكون لديه وقت للهو شعر الياس انه مقبل على شي خطير لكنه استدرك انه صديق الملك لن يصيبني سوء خلد للنوم بعد ان تناول الطعام .
الساعات هنا طوال لا يكاد يفهم كيف هي كذلك في الصباح سمع اصوات العصافير شعر كأنه في بيته فهذا الصوت ما يوقظه كل صباح تذكر انه في مكان ما وسط الصحراء .
اخبر الياس الرجل العجوز عن الرجال الذين حملوه وانه همهم ببعض الكلمات فتركون حيث وجده .
- انهم حراس المدينة الزرقاء وقد اخفيت عنهم بكلماتك فظنوك احدهم لذا تركوك .
- كاد قلبي ان ينخلع من الرعب الذي اصابني
- لا تخف بعد الان اشرب هذا الشراب
اخذ الكأس من يده وشربه بجرعة واحدة تعلم الياس كتابة الطلاسم وكيفية فك الشفرات للرسائل القديمة وكيف يستخرج الكنوز المدفونة وفتح له العجوز الف باب .بعد مدة ليست بالقليلة ودعه بعد ان اعطاه كتاب يضم كل ما تعلمه سابقا وكل ما علمه اياه واوصاه ان يسكن بمدينة جديدة وان يغير اسمه ولا يطلع احد مهما كان قربه منه على ما حدث له ومعه .
لم يعد الياس كما كان اصبح مغرور وكثير الشر ملامحة اصبحت حادة كان سريع الغضب ما ان يلاقيه أي موقف لا يتردد بإيذاء من ازعجه اندثرت شخصيته القديمة وتلاشت بواقي الطيبة التي كانت بقلبه كان السواد يملأ قلبه .
مكث بقصر على ربوه عالية كان القصر مليئا بالخدم يقرب منه العذراوات التي طالما اختفت منهم واحدة في كل فترة الشبهات تدور حوله لكن لا يجرؤ احد على قول ذلك علنا . في هذه المدينة كان الياس مقدس عند الكثير خصوصا كبار السن من عالجهم من امراضهم المستعصية لم يقبل أي احد منهم ان يساء الظن به كانوا على استعداد ان يحاربوا لأجله بعد سنة صادف ان دخل المدينة رهط من ابناء مدينته القديمة سمعوا عن شخص مبارك يعالج الناس ويصنع المعجزات جاءو إليه وهم يحملون امل الشفاء من الداء الذي ألم بهم كان القصر يحتوي على الكثير من الغرفة التي لا يسمح لاحد دخولها الا جناح واحد تم فتحه لاستقبال الناس المرضى ومن يريدون التبرك بالمقدس وهذا ما اطلقه اهل البلدة عليه .
دخل عليهم يكسوه وقار وهالة من نور ذهل كل من رآه اقترب من ابناء مدينته السابقة الذين لم يتعرفوا عليه وسألهم:
- من انتم وما تريدون؟
- نحن يا سيدي المقدس الكريم مرضى وجئنا من مدينة بعيدة جدا بعد ان ذاع صيتك كي نتبرك بك ونطلب الشفاء
ضحك طويلا وقال لخدمه:
- ادخلوهم السابعة
كانت السابعة غرفة مليئة بالرعب قليل من خرج منها كل من يدخل اليها اما ان يفقد عقله او حياته ذهبوا مع الخدم وهم فرحون لا يعرفون مصيرهم دخلوا للغرفة التي كان ملونة بلونين الاحمر والاسود رائحتها نتنة تكاد تخلوا من أي مصدر ضوء اخبرهم الخدم ان يمكثوا هنا الليلة وسوف يحضرون لهم الطعام بعد قليل جلسوا وهم يضعون احلاما وامالا وما سيفعلون ان عادوا لأهليهم بكامل صحتهم اخذتهم غفوة لم تكن بالحسبان دخلوا بحلم طويل يتحدث عن عودتهم وكيف ان كل احلامهم تحققت كانوا سعداء فناموا دون رغبة بالاستيقاظ بقوا هكذا اسبوع لم يأكلوا او يشربوا منذ دخولهم للغرفة لذا كانوا يذوون دون ان يشعروا هنا جاء الخدم واخرجوا اثنان منهم وتركوا البقية .
من خرج استيقظ بعد ساعة وكان امامه الطعام فاكلوا وشربوا ثم سألوا اين بقيتنا اخبرهم الخدم ان يرتاحوا لان سيدهم سيراهم ويخبرهم بعد قليل كانوا سعداء ويحسون بنشاط غريب وصحة لم ينعموا بها من قبل بعد اثنا عشر ساعة ارسل بطلبهما فادخلهما الخدم عليه حيث كان يجلس على عرش اكبر من عرش الملك احنى الرجلان رأسهما وارادا تقبيل يديه وقدمية على ما انعم عليها به لكن الخدم لا تسمح لاحد بالاقتراب منه اعطاهما طعام وجوادين واخبرهما ان يرحلا خرج الرجلان واتجها الى مدينتهم وهم يظنون انهم بعد شهر سيصلون لكن ما حدث اذهلهم ما ان امتطيا الحصانين حتى وصلا بعد اقل من يوم ادركا ان ما حصل كان معجزة او ربما سحر ما يهم انهم وصلوا سالمين اقاموا وليمة دعوا اليه اهل البلدة الذين فرحوا بسلامتهم وشفائهم ثم سألوهم عن البقية قالوا لقد بقوا هناك وانهم لم يرغبوا بالعودة هذا ما افهمهم اياه المقدس.
الى الان لا احد يعلم ما حل بالبقية .
خديجة علي حسين
التعليقات