قراءة لقصائد أياد البلداوي في ديوان تراتيل عارية
قراءة لقصائد أياد البلداوي
في ديوان تراتيل عارية
كتبت : مليكة الجباري
حين يصبح الشعر أمرا كيانيا....مع الأديب والشاعر إياد البلداوي تكون ولادة القصائد تحفة الحب.
تفاصيل الشعر عديدة لا يعيها و يقف على نواصيها من لا يلامس فتنته و بهاءه و رونقه و الاهم من ذلك تماوجه..يهيم في كل واد ،له اليد الطولى في المحال و غير المحال..
الشعر عالم ميتافيزيقي ،لا يحس بوطأته و لذته و قيمته إلا من نذر وقته و جهده و خوالجه في محرابه ،و أسلم وتله له ،ليتواشج مع هذا النوع الإبداعي الجامح ،المشاكس في جل أوجهه( على مبدعه) عصي على المراودة و المهادنه و الامساك بلجامه و تلابيبه.
في كل هذا تكمن لحظة الإحساس الحقيقي بالتمكن ،و الحرفية ،و القدرة ،يشعر خلالها المبدع أنه رب اللحظة و سيدها، يرى ما لا يراه الآخرون ،هو مصدر إبداع لا مثيل له ،قوامه مجموعة من البنى الفنية و اللغوية التي تسهم في توليد قصائد تختزل خلاصة تجربته الابداعية .
الملاحظ عند قراءة الديوان للشاعر أياد البلداوي.
هذا العشق الصوفي و الاحساس النقي ببهاء الشعر ،هذا الاصرار الغريب على اقتناص مواطن الجمال من خلال الصور الشعرية ،و الإيقاعات الصوتية ،كما لاحظت بعد التناصات اللغوية و الدلالية القيمة التي تميز خطه الشعري تحوله تدريجيا إلى يقين وجودي حيث ينبش بإصرار في لواعجه و احاسييه و مشاعره ،لتأتي نصوصه انعكاسا حقيقيا ملموسا لكل هذا ..مما يعتبر انتصارا لتاسيس هذه المؤانسة اللصيقة في تجليات المبدع الحقيقي..
لو رجعنا إلى الشاعر سنجده ذا ثقافتين إحداهما موروثة و الأخرى مكتسبة،وهذا سيؤثر حتما على كتاباته باعتبار مرجعيتهما اللغوية والادبية و بحمولات إبداعية متميزة ..ستؤسسان لفضاء ارحب و اوسع و اكثر حرية واستشرافا على الهويات الابداعية و الثقافية الاخرى.
أحيانا تعجز الكلمات الافصاح عن مكنونات المرء،لان المشاعر اكبر من الحروف و أعمق من الصور الشعرية ،بل قد تستسلم القوافي لسمفونية النغم الوجدانية ،حاملة بين جناحيها روابي الجمال و انوار الوله الافلاطوني، فمن تسكنه المراة و تستقر في اعماقه محيطات العشق،لن تستطيع الشطآن التصدي للمد الجارف من الاحاسيس المنسابة انسياب المد الجارف.
بركان من الاحاسيس الجياشة تجتاح شاعرنا بلا هوادة ،تؤرقه ،تؤلمه،تحرقه،تخلخل اختياراته ، تلفض وجعه و تغزله فستان فرح ،
تسكنه ،تتوحد فيه،تحتويه ،يتيه فيها
يقول...
سيرة الروح ..
هل عرفت التيه؟
تعلمته عند غيابك...
كأنه يتحدث عن لحظات صوفية ،تنتفي فيها العلاقات الخارجية ،هذا الممكن والمحال ،تتوحد الانفس و تندمج الذوات في ذات بروح واحد ،ليبقى العطش حاضرا،والخوف من عندم الانصهار التام ..هو يريدها الروح التي تمتلك ناصية العشق المتقد ،وهذه العواطف الجياشة التي تخشى الفراغ...تخشى التيه ...لا تحب الغياب...
الغياب الروحي ...
يقول...في قصيدة اخرى
أنتظر مجيئك...
هنا سأنتظر ..
حتى يملني الإنتظار...
وينهيها ب...
أعلم انك ستأتين.
إيمان مطلق و يقين كلي بحلول روحها في جسده ليكتمل التكوين ،و ترجع الحياة لشاعرنا.
هو توحد و حلول من نوع خاص،ليس له ارتباط بالجانب الديني ،بل له ارتباط بالجوانب الفلسفية المحضة، حيث يخلق هذا الاتحاد بين روح الحبيبة و جسد شاعرنا ،ليرتفعا للمصاف الاسمى و سدرة العشق المنفرد ،ويلتحما في بوثقة واحدة في كينونة واحدة في جبة الحب الابدي.
إذا نحن الآن امام صورة للوله المثالي و علاقة طوباوية التي تمثلها حكايات قيس و ليلى و جميل بثينة و روميو و جولييت. بعيدا عن غلو المتصوفة لمفهوم التوحد كاتجاه ديني....
إذ ان الشاعر يضعنا في السبيل الصحيح...
هي تشاكسني..
كلما راق لها معاندتي...
فمليكتي...
متربعة في شراييني.
و في نص آخر
أقف في محرابك صامتا..
أتوجس الهمس خشوعا
هل اتلو أدعيتي ؟؟؟
أم اركع بين يديك؟
هي امراة تتكوم ذاخله ،تتربع على عرش اليقين في عمق اعماقه ،هي الإلهة في محراب عشقه،يهجع إليها اطراف النهار و زلفا من الليل ،فصلاته همس ،و دعاءه تراتيل من وحي مرهف احساسه ،وصلاته لا تقوم إلا بين يديها
لغته سلسة ،صريحة ،جريئة ،تفشي عوالمه القلقة ،و توجسه الخفي من ان لا تقبل صلاته.
يقول ...
ألملم النفس عند ثنايا الليل
اصارعها..
ألومها دون دليل..
لا ادري إن كنت أنا ؟؟؟
ام كنت أنا ؟؟.
تساؤلات كثيرة ...و هو الملاحظ في جل القصائد،تمتد العملية كشكل من أشكال السرد في هذا العرض الأدبي ،كما تتردد علامات الاستفهام بشكل لافت .
يقول ...
متى يتوقف الحب؟؟؟
عند زمن حددته السنين؟؟
ام في غياهب قلب امراة ؟؟؟
من أنا فيها ؟
أزح عني غشاوتي .
المفاجئ حقا هو ما جاء تاليا ،،
يقول ..
اتخذت قراري ...
قررت أن أكرهك
لأنني ذبت عشقا فيك
لأني امنت الروح مسكنك...
هذا التضاد الممكن ،هذا السفر الروحي لعالم دفين ،يجتاز فيه الشاعر مسلكا وعرا ،السهل الممتنع ،الممكن المحال ،الراغب ولا مرغوب ...
هنا متعة فكرية تشد القارئ، تدعه في تردد نوعا ما و استقراءا لماهية هذه الرغبة ...ليخلص أخيرا أن ذاك ضربا من المستحيل ،و إنما هي صراحة الشاعر في لحظة معينة ،إنه يصف ما تدركه حواسه،و عينه الروحية،ما يختمر به قلبه حتى يصبح حقيقة راهنة في حياته ،ولو كانت نفسه قاصرة عن فعل ذلك،إنه يعري حقيقته امام صد الانثى إنه يصف ما تدركه بحواسه وما تلامسه روحه...
ويتراجع ليقول...
قررت أن لا أكرهك...
لأنني..
سأفقد كل ممنوعاتك
لأنني لن أستطيع دونك
لانني ..
علمت الذات فيك.
ألم أقل أنه الحلول...حلول الروح في الذات ...
الذات وعاء ،و الروح..تجليات العشق. والحب الذي يسمو بهكذا تشكل ،و بهكذا صورة ،..
أليس كل هذا خارج عن المألوف ؟؟
ففي " صرخة من عمق الروح "
يقول..
نعتوني بالإلحاد..
لأني آمنت
بدين العشق فتبينوا.
ويضيف....
هي ديني و ديدني...
أعلنها بينكم فاشهدوا.
ألا يكفي هذا الاعتراف الصريح؟؟؟ أنه نهج شاعرنا الصوفي الذي تجاوز المتعارف ،و أنه يؤسس لمبدأ جديد ،و دين جديد ،و حلول جديد...وحب جديد.
هو يتجرأ أكثر ،يفك قيود الصمت .. يتمرد عن المألوف ،لا يريد لنفسه مزيدا من اكتواء،من لظى تسكن بين ضلوعه
..يقول
البوح يسكن شغاف الروح
الحروف مختلجة في الحناجر
تخنق الانفاس..
إنه هنا يتبع ملة العشاق " الحب لا ينمو في الظلام "
فيطلق سراح البوح ،يعلنها مدوية .
اعلمي حبيبتي..
كرهت النوم
كيلا يمرني حلم ...
يفرض علي بعدك .
ما يثيرنا فعلا هو هذه القصائد الوجدانية ،و هذا الدفق العاطفي الباذخ الوارف المنساب انسياب الشلال...هذا التدرج السلس في المعاني و تراتبية الأفكار ،تجانس جميل للالفاظ، والصور الحسية المنتقاة ..هذه التموجات في المشاعر من مندفع إلى هادئ إلى معاتب إلى طالب رضى.
يستعمل شاعرنا لضمير المتكلم و المخاطب ،و كأنه يغرف كلماته من عمق خوالجه و من صميم قواميسه الرومانسية التي رصصها خصيصا له ،و أنشأ عالمه اللغوي الخاص يستقي منه مفرداته و معانيه التي تليق بأنثاه، هذه الروح التي يناجيها في كل قصائده ،يهادنها ،يستكين لها ،يلملم شعتها يهبها ذاته لتحتلها،لتجلس
على عرشها ،لتكون الملكة والإلهة. فبها تكتمل المعادلة ،و بها يحيى جسده ،ولو دس فيه روحها لظى ...و هو أقدر على جمرة الحب من لوعة الفراق.الخط التحريري لجل القصائد يذهب في منحى واحد...هي الحبيبة ( الأنثى) ...والروح وكأنه يمارس حق انسانيته ،حق الصلاة لجمال نبض الحب في زوايا الكون ليسكبه في وعاء الشعر متحررا من قيود الضجيج والضجر ،والعبث السائد في همزة الواقع
مليكة الجباري /9/6/2021
العرائش المغرب
اياد البلداوي
التعليقات