حَنْظَلة يرثُ سخَام الحربِ
*هَذا الطِفلُ الثّلجِي الجَامدُ *
* يَحْمِلُ تارِيخهُ عَاريًا*
* فكلمَّا تلقَّف حَفنةَ بياضٍ فِي الوجهِ*
* استَحْضرَ أباهُ وهو يمُوتُ *
*لكّنه باسِمُ......*
* ليْسَ هُو مَن فَتَحَ شَرْخًا فِي الجٌدْرَانِ*
* وَلا مَن دَسًّ المَوتَ فِي عُيونِ الزُّوارِ*
* فَقَط*
* هُو مَن فَتحَ نَافِذةَ العَذابِ لأبِيهِ*
* كي يُطلَّ أخرَ مرَّة عَلى السَّمَاءِ.. *
*هُو مَنْ أوْمَأ لهُ عَن طَائرٍ*
* بلَونِ الأرْضِ*
* كَانَ سَببًا فِي حَرقِ الغَابةِ *
*الأطْفالُ يَصْرُخُونَ*
* يَصْنعُونَ قَنابِلَ بَارِدَة مِن أعْوادِ الثِقابِ*
* ونِخَالَةَ البُرِّ *
*و هُو يَلْعنُ الحَرْبَ *
*والمُفَاوَضَات*
* ينْفثُ فِي وجُوهِ القَادَة علَى الشَّاشَة *
*ويمْسَحُ حِذاءُه كُلَّمَا عَادَ مِن بِرْكةِ الصّيدِ بِصُورِهِم *
* يَلْعَنُ أخِرَ وجْبةٍ*
* جادَ بِها الجِنرَالُ علَى أبْناءِ المَوتَى*
* قُلْ الشّهَدَاء*
* قُلْ أحْرَارَ الوَطنِ*
*قلْ حتّى....*
*يَلْعنُ أخِر جُرْعَة شَاي ’ كَمَاءِ الغَديرِ تَجَرَّعَهَا*
* بدُونِ اعْتِذارٍ*
* يلعَنُ البِذلَة المُوَّحَدة *
*والأحْذِية الجِلْدِيةِ *
*والنَّياشِين *
* عُيونَهُ سَاقِطة تنْتظرُ سَاعَتها فِي المَاءِ*
*لا رَأسَ لَه*
* جَسدُهُ يَحْكِي سَنَواتَ القَحْطِ*
* كَانَ يرْسُمُ لَه ألفَ صُورَةٍ وَلا وَاحِدَة كانَتْ تَشْبهِه *
*كانَ يَسرِقُ وجهًا ليتسِم*
* يَسْرقُ لَحْنًا ليغنِي*
* وأحْيَانًا يخْفِي عَورَتهُ فِي قَهْقهَة المَارِّين *
*كَستهُ العَاصِفةُ بوَحلٍ يُشبههُ *
*لَكنْ*
*عِشقُهُ يَكبرُ في كلِّ حِينٍ *
*خُصُوصًا*
* حِينَ يُوقِعُ لَوَحاتَ أبِيهِ بِكُلِّيتهِ المَلْمُومَةِ وظَهْرهُ لِشَمسِ
الحَرِيقِ *
*كَانَ يَبْتعِدُ خَلفَ أطلاَلَ المَدارِسِ*
* ليُرَمِّمَ نَفسَهُ بهَذا البيَاض الافتِرَاضِي*
* ويَسْرِقَ مِنَ الشّمْسِ وَمضَةَ عِشْقٍ *
*لكِنَّ*
*شَغَفَ الأقْرَانِ أعَادَ البصَائِرَ إلى هَزْليةِ السَّماءِ *
* المَدِينةُ مُترَعَةٌ علَى خَواءِ*
* تتنفسُ رائحَة المقابرِ*
* عَاهِراتٌ يَمْقُتن خُيُوطَ السَّماءِ*
* مُبْصِرَات للجُيوبِ*
* وبحارة يرتِّقون تابوتًا للصّمتِ من قَصبٍ*
* تَحْتَ شَرفِ اللامَعْنى*
* بالسُّخامِ كُتبَت عِبارَاتُ الفَاجِعَة *
*علَى أدْرَاجِهَا*
* التِّي لَا تَعترٍفُ بالحُب*
* فَصارَ الوَقتُ هيكلًا للْعدمِ*
* وَأقلَامُنا آلةً لِبتْرِ السِيقانِ.... *
*وانتِظارُ يَومٍ مُمْطرٍ قِطْعَة مُحَالٍ بدُون قِناعٍ *
*المَسَاجِدُ مُغلقةٌ*
* والحَاناتِ تُودعُ أخرَ السكَارَى*
* بالرَّكلِ *
*وفنُونِ الشَّتيمَةِ*
* صَفّارَاتُ الإنذارِ للتَّهْويلِ *
*الكِلابُ الضَّالة تُهادِنُ الجُوعَ بالنُباحِ*
*اللَّيلُ*
* حَرِيصٌ علَى مُداهَمَة الأغْبِياءِ *
*اللَّيلُ*
* بعُيونهِ المُتورمة يعدُّ بقاياهُ فِي طَوابيرِ المَوتِ*
* المُخْبرُونَ لا يكُفُون عَن المُلاسَناتِ اللاَّسِلكِيةِ*
*الَّليْلُ*
*كَمِينٌ من حَرِيرٍ يرْقُصُ الفالص كَامِلةً *
*قُطَّاعُ الطُّرُقِ يَحصُونَ غَنائِمَهم*
* فِي صَمْتٍ دَاخلَ مَغارَةٍ *
*تحْرُسُهَا*
*ألوَان الأرْصِفةِ *
*وهُم يَسرُدُونَ ذكْرياتَ السُجُونِ*
* وعِزْوَةِ ألشَّافْ *
*وطُرُق تنَحِيتِهِم لِعُملاءَ الزَّنازِينِ السَّودَاءِ*
*المُقايَضَةِ*
* بالجَسَدِ لأجْلِ سِيجَارَة مَحشُوَّة بِعُشْبة الأبَدِ*
*عِشْقُهُم الجَمَاعِي لِصُورَة المَرْأة*
* الغَاوِيةِ*
* وكَيفَ يَتنَاوبُونَ عَلى اغْتصَابِهَا.. *
*هَذا الطِفلُ الثّلجِي الجَامدُ *
* يَحْمِلُ تارِيخهُ عَاريًا*
* يَحْملُ تارِيخَ أقْرَانهِ الألِيمِ*
* يتَّمَهُ القَدرُ وظَهرُهُ لِحَريقِ الشَّمسِ *
*هُو*
*حَنْظَلة...*
عبد اللطيف رعري
التعليقات