اللون واستعاراته المفاهيمية في مسرحية ايام الاسبوع الثمان
مسرحية مقدمة للطفل من تأليف صلاح حسن واخراج اقبال نعيم، سينوغرافيا علي محمود السوداني، تجري أحداث المسرحية حول صدمة أيام الأسبوع السبعة وهي تتفاجئ بوجود يومٍ ثامن يحاول أنْ يُفرق وحدة الأيام عبر صراعات واهمة يخططها مسبقاً هذا الغريب وينفذها بعد إستمالة الأيام الضعيفة إلى جانبه مُشكلا غالبية يحاول عبرها السيطرة على الأيام جميعاً، ومن ثمَّ تحقيق أطماعه وأهدافه غير المشروعة، لكن هذا الوضع يثير حفيظة الأيام القوية المتمثلة بـ(الاحد، الاثنين، الثلاثاء) فتقف في وجه هذا اليوم الدخيل وتعمل على كشف الآعيبه ومآربه التي يروم عبرها تغير النظام الزمني للأيام بإستبداله بنظام زمني جديد تتغير على وفقه وظائف الأيام، فتقوم الايام القوية برحلة في ظروف مناخية قاسية إلى شهر شباط للتأكد من صحة اقوال الغريب، فيخبرهم شهر شباط بنوايا هذا الشرير وخدعه القذرة ليعودوا بعد ذلك إلى اخوتهم لإنقاذهم وتخليصهم من شروره، عبر أجواء غرائبية وظفتها مخرجة العمل لترجمة النص على خشبة المسرح عبر استعارات ضمن تضمنات الأنساق العلاماتية المسرحية لصور ذهنية محفوظة في الذاكرة مستمدة من الواقع تمت معالجتها وإعادة تركيبها بتدخل الخيال لتقريب لذهن المتلقي بإسلوب تربوي جمالي المعنى المتمحور حول ضرورة تكاتف وتعاون المجموعة في مواجهة الاخطار والافكار المشبوهة التي تصدر عن شخصيات غربية عن المجتمع وليس لها جذور فيه تبعاً لغايات واهداف شريرة ترنو إلى التفرقة وبث الكراهية، وهذا المعنى يُلقي بظلاله على الواقع المعيش وطبيعة التناحرات والخلافات التي يكون مصدرها في الغالب الأعم غريب من خارج الحدود يستميل الضعاف والجهلة ويستحصل دعمهم.
إنّ فهم الواقع والوعي بمكوناته وأبعاده يُسهّل عملية إستدعاء عناصره عند التأمل بالنسق الاستعاري الذي يتّم إسقاطه تصورياً بوساطة الخيال الخالق للتوازن والتوافق بين المتضادات عبر إمتلاكه للقدرة التركيبية التي تشكل الاستعارة لكل العلامات اللونية المسرحية ومنها الأزياء التي صُممت وفقاً لمدركات ذهنية تصورية اتخذت من المرجعيات الفنتازية لصفات شخصيات الأيام السبعة وباقي شخصيات العرض ومعالجتها عبر إعادة تركيبها وإنتاجها في صور ذهنية مغايرة تعتمد المزاوجة بين الفنتازيا والواقع، بعد أنّ جرى أنسنتها وتجسيمها بهيئات بشرية وبصور أيقونية، كما وظّفت الصور إلاشارية للاستعارة في أزياء شخصيتيّ شهر شباط واليوم الثامن، أمّا ألوان الأزياء فقد اتخذت صور رمزية تبعاً للمتعاقد عليه اجتماعياً لكل لون ومدى تعالقه مع أبعاد كل شخصية من شخصيات العرض المسرحي، اذ كان لزي الخميس لونه الزاهي المشع بافرح لدلالة على المضمون الفكري ليوم الخميس بينما كان لزي الجمعة سيادة اللون الابيض تبعا لما يحيله هذا اللون من هدوء وراحة تنعكس على مدلولات يوم الجمعة في مجتمعاتنا، وكذلك اللون الابيض لشهر شباط الذي يحيل الى لون الثلج دلالة على ان الموسم شتاء، اما زي الثامن فقد اتسم بالوان مغبرة كئيبة تحيل الى مضمراته النفسية ودوافعه.
ولم تغب الاستعارة اللونية في مكياج الشخصيات التي تجسدت بصور رمزية فنتازية تمنح النسق البصري للمكياج بوساطة الخيال إنزياحات عن الطابع الواقعي لوجه الانسان وتقاسيمه إلى خطاب تعبيري يوحي بالألفة بين الفنتازيا والواقع ضمن أنماط استعارية تصورية شمّلت كل شخصيات العمل، ونظرا لاعتماد المكياج على المنظومة اللونية فقد وظف مصمم المكياج اللون بشكل امثل عبر علامات اشارية تحيل الى الصور الذهنية المختزنة في الذاكرة طويلة المدى عن واقع الشخصيات وظروفها وابعادها. اما اللون في الاقنعة فقد إقتصر على شخصيتي شهر شباط ضمن استعارات تصورية بصور إشارية تحيل إلى طبيعة مناخ هذا الشهر عبر استعارة اللون الابيض كإقتران بلون الثلج، في حين تجسد اللون في الالكسسوار بصور استعارية متنوعة فقد تمثّل في الوان قرص الالعاب الزاهية للإيحاء برمزية الى ان كل ما يجري عبارة عن لعبة تحاكي الأبعاد الأساس لشخصية الخميس بوصفها محبة للمرح والحياة، وكذلك لون حقيبة يوم الثلاثاء الرمادي كعلامة أيقونية لحقيبة الشخصية الآدمية ضمن محاكاة شخصيات العمل المسرحي لشخصيات بشرية واقعية.
شكلت الاستعارة مفردات النسق العلاماتي للمنظر المسرحي عبر الإيحاء إلى مرجعيات فنتازية انتجها خيال مصمم المنظر بإبعاد تجريدية تسبح ضمن تأملاته الذاتية، وتعكس عبرها اجواء فنتازية تُخرج مفردات المنظر من الكينونة الواقعية إلى مديات خيالية بأنساق رمزية وظُفت ضمن استعارات تصورية بإستخدام الوان الخلفية المتضمنة لصور الكواكب في إشارة إلى تناوب الأيام عبر حركة تلك الكواكب، واستخدام الأعمدة بأبعاد تعبيرية تتخذ من الوان الطيف السبعة علامة رمزية على الأيام السبعة والتي تتماهى مع الوان الأزياء وطبيعة كل شخصية، كما تستثمر بعض المؤثرات اللون الابيض كعلامة ايقونية على نزول الثلج وانتشار الدخان في أكثر من مشهد لإسناد الحدث ودعمه ضمن الاستعارات التصورية تتخذ من الظواهر الطبيعية تارة ومن الخيال تارة ومن الموسوعة الثقافية والاجتماعية للباث والمتلقي على السواء ضمن إطار تواصلي، مصدراً تستعير منه صفات تحاول دمجها مع فضاءات موجودة على المسرح يُراد منها الإقناع والإمتاع عبر افضية معرفية متمازجة بانتقائية وقصدية لإنتاج معاني ودلالات ضمن سيرورة المعنى.
وهنا تعمل الاستعارة المعرفية في هذا العرض على إذابة عناصر الواقع ضمن بوتقة الخيال ومن ثم تعاود تركيبها من جديد عبر تجاوز المدلولات الواقعية إلى المدلولات الإيحائية، فاستخدام اللون الابيض للإضاءة اليدوية من قبل الايام السبعة إحالة إلى حقيقة وجود النهار ضمن ساعات كل يوم من هذا الايام، كما أنّ تسليط سبع بقعٍ بيضاء على المسرح يُشكّل إحالة تصورية ذهنية إلى الأيام السبعة وانها الايام الحقيقية، وتغير الوان إضاءة البقع استناداً إلى صور رمزية بتماهي لدلالات اللون مع الحدث الجاري على المسرح يُضفي على المشهد بعداً فكرياً جمالياً يثير ذهن المتلقي ويستفز مخيلته لتحليله والكشف عن دلالاته وفهمه، كما أنّ توظيف الإضاءة بالتضافر مع المؤثرات والمنظر يوحي بأجواء فنتازية وفقاً للجو العام، كما وينضوي النسق الاستعاري للعلامة ضمن صور أيقونية عند إظلام المسرح للإيحاء بحلول المساء، وكذلك توظيف الإضاءة في مشهد شهر شباط للإيحاء بأحوال الطقس في هذا الشهر، فضلاً عن استعمال الوان مشعة للمؤثر الضوئي المتمثل بضوء البرق كاستعارة تصورية أيقونية لإجواء الشتاء، وإستثمارها بتجسيد غير المجسد كالانفعالات والعواطف ضمن نمطٍ استعاري للإحالة إلى مشاعر القلق والخوف وفي بعض المشاهد الحزن، عبر تسليط إضاءة ملونة بحركة سريعة تحيل إلى مشاعر الفرح التي اعترت الأيام بعد اجتماعها مرة اخرى، فضلاً عن توظيف الصور الرمزية للاستعارة عبر استثمار اللون الاصفر المغبر متضافراً مع الدخان في مشاهد اليوم الثامن للإحالة إلى طرح افكار ملوثة تهدف إلى تخريب وزعزعة النظام الزمني من قبل شخصية اليوم الثامن، أمّا النمط الاستعاري الاتجاهي فيتمثل في إضاءة وإظلام المسرح في آخر وحدة مشهدية بعد أنّ تخلصت المجموعة من اليوم الثامن. وقد اعتمد مصمم الإضاءة على مدلولات اللون الرمزية في الكثير من المواقف الاستعارية الذي قد يحيل ذهن المتلقى إلى الشعور بالتشويق ومتابعة العمل لما يُبث من علامات مسرحية تخاطب مُدركات الطفل وتتماهى واستيعابه.
وهنا يمكن تحديد ظهور العلامات اللونية في العرض المسرحي الفنتازي بمختلف انواعها (الأيقونة والاشارية والرمزية) من قبل المتصدين للعمل المسرحي الفنتازي، عبر الاهتمام بالجانب النفسي للمتلقي وما يعنيه اللون من الناحية النفسية، ما ابرز انسجاما لونيا بين عناصر التشكيل البصري حال دون وجود تشويه في الصورة المسرحية، وهذا عائد الى التوظيف السليم للالوان في الاضاءة والديكور والازياء بشكل مقنع ومبهر للطفل.
ايمان الكبيسي
التعليقات