( التمثال )
لا يعرف سر تعلقه به ، فقد بقي بصره شاخصا نحو التمثال فترة طويلة ... هل هو معجب به كعمل فني ؟.. أو انه كان مشدودا إليه لسبب آخر يجهله ؟.. برقت في ذهنه أمنية ، ربما عرف من خلالها سر تعلقه بهذا التمثال .
فقد تمنى إن يحتل مكانه ، كي يحط الحمام عليه ويغطيه الريش من كل جانب ، فلعله سيتمكن من الطيران فيما بعد ، أو من الجائز جدا إن يتعلق بأرجل الحمام بالرغم عنها ، أو إن الحمام يقرر اختطافه ليتم نصبه في مكان آخر لا تعلم به سوى الأطيار .
حين أفاق كان كل ما تمناه بالنسبة له مجرد هراء ... فالتمثال في مكانه مشدود بإحكام على قاعدة ضخمة ، بينما يقف هو على أرضية إسفلتية ساخنة بإقدام واهنة .
عند وصوله إلى البيت نظر صوب حديقته التي كانت على الدوام في نظره رائعة لا ينقصها أي شيء أبدا .. لكن في هذه المرة ثمة شيء مفقود ، انه نقص مريع ... توجه مسرعا نحو منتصف الحديقة مدندنا مع نفسه :
ــــ ينقصها تمثال هنا .
حدق في السماء وهو يقول فرحا :
ــــ ستأتون ألي عما قريب .
وبعد محاولات عديدة استطاع فيها الوقوف كتمثال قديم ، لم يتذكر بأنه شعر في حياته بمثل هذه فرحة وهو يستلذ بالهواء المتدفق نحوه من خفق أجنحة الحمام الذي ادخله إلى عالم جديد لم يألفه من قبل .
سرعان ما بدا زوجان من الحمائم يبنيان عشا على رأسه .. وفوق ذراعه اليمنى ذكر حمام يحاول إن يفرض سلطته على المكان .. وعلى كتفه الأيسر كانت حمامة تطعم أفراخها .
من بعيد تحسس انفه العطر الذي طالما عشقه ، هي تدنو الان من الجدار الخارجي لبيته ، نسائم عطرها تندفع كجيش عزوم نحو انفه ، لعقله ، ثم لبقية أجزاء جسده ، نبض قلبه بدء يدق بقوة فحلق الحمام بعيدا ، بينما هو يقف وحيدا في منتصف حديقته مغمضا عينيه في نشوة عميقة .
منور ناهض الخياط
التعليقات