قلتُ لها
لِمَ تركتِ روحي وحيدةً في هذا الفراغِ ، تسألُ المجهولَ عن أسرارِ الحياةِ ، وكلُّ الأجوبةِ التي كنتُ أبحثُ عنها ، ما عادت على قيدِ الحياةِ ؟
لِمَ تركتِ روحي مُكبَّلةً بسلاسلِ الفضولِ ، في غرفةٍ بلا نوافذَ ، أو أبوابٍ ، لا أسمعُ إلَّا نعيقَ الأغربةِ ، تكسرُ صمتَ روحي ، وتكسرُ صمتَ الفراغِ ؟
لِمَ تركتِ روحي ملأى بالمخاوفِ ، بالمآثمِ ، بحفيفِ الأحزانِ ؟ تركتِها تتسلَّقُ الأسئلةَ سؤالاً سؤالاً : مَن بذرَ الشَّكَّ في قلبِ اليقينِ ؟ مَن أخرسَ في المهدِ صوتَ الضَّميرِ ؟ وهل ماتَ في حضارةِ الحجرِ آخرُ حرفٍ يُبشِّرُ بولادةِ الضَّميرِ ؟
كم قلتُ لكِ : أتوجَّسُ من الأسئلةِ ، أقلقُ ، أرتعبُ ، ففي كلِّ سؤالٍ يُقيمُ ألفُ بومٍ ، وألفُ غرابٍ .
مَن أطلقَ الوحشَ في عقولِنا ، فسالت دماءٌ ، وتفكَّكت مدنٌ ، وتعرَّت حقولٌ ، وجثمَ فوقَ مشاعري رأسُ الخرابِ ؟
يا حبيبةُ :
مَن انتزعَ من أرواحِنا صوتَ الإلهِ ؟ ومَن غيَّرَ في حقولِنا وجهَ التُّرابِ ؟
تعالَي أعترفُ لكِ قبلَ أن نفترقَ ، أحببتُكِ كأنَّكِ آلهةُ البحرِ ، وكأنِّي تلك السَّماءُ ، وهبتُكِ مائيَ العذبَ ، مائيَ الفراتَ ، وأنتِ وهبتنِي الماءَ المالحَ ، والماءَ الأُجاجَ .
أحببتُكِ كأنَّكِ الغموضُ ، كأنَّكِ الجنونُ ، كأنَّكِ الزُّهورُ ، قبل أن تحرقَ النَّارُ أوَّلَ عُودٍ ، فيشذو على الأرضِ أوَّلُ العطورِ .
أحببتُ فيكِ الفرحَ البعيدَ ، ورأيتُ فيكِ أرضاً ، ترسمُ فيها السَّنابلُ لوحةَ الخلودِ ، رأيتُ فيكِ العالمَ الوديعَ ، رأيتُكِ كالشَّمسِ بين ذراعيَّ طفلٍ وليدٍ ، ورأيتُ في عينيكِ السَّلامَ .
وهناك على ضفافِ الشَّرِّ يجلسٍ الشَّيطانُ ، يرسمٍ الوجوهَ للتُّعساءِ ، والمُتعبينَ ، ويرسمُ بدموعِ الضُّعفاءِ لوحةً للوقتِ الكئيبِ ، ويزرعُ في قلبِ النَّهارِ ، ليلاً مُعتِماً ، وشموعاً لا تطرحُ إلَّا الظَّلامَ .
هناكَ على ضفَّةِ الشَّرِّ ، جلسَ الشَّيطانُ ، يرسمُ أيادٍ طويلةً ، وجيوباً كأنَّها الأُخدودُ .
ما أقذرَ الأيادي التي لا تعرفُ الطَّريقَ إلى السَّماءِ ! ما أقذرَ الأيادي التي لا تعرفُ كيف تمتدُّ إلى الضُّعفاءِ ! وما أقذرَ الأيادي التي لا تعرفُ إلَّا الطَّريقُ إلى جيوبِ الفقراءِ !
هامش : أخشى يا حبيبةُ أنَّ الأيادي في هذا الزَّمنِ الرَّديءِ ، لا تصلحُ للدُّعاءِ .
د.عاطف الدرابسة
التعليقات