مسرحية الإنتخابات في تونس
حملت مخطوطي الشعري "الصفر" لوزارة الشؤون الثقافية التونسية ، و قدمته لهم في 25 مارس 2019 على أمل الإحتفاء به و نشره ، قلت أكيد سيحتفي الوزير بنفسه بهذا العمل الإبداعي الجديد و الإضافة النوعية في الساحة الثقافية التونسية و العربية ، خاصة و أنه موسيقي أو على الأقل أستاذ في تاريخ الموسيقى. و لكن أصغوا إلي : ظللت أنتظر مهاتفتي ، مضى الشهر الأول و الثاني و الثالث ، إلى جوان 2019 ، حينها قررت الإتصال بالوزارة. طرقت باب مكتب الضبط و قدمت نسخة من رسالتي إلى وزير الثقافة ، متسائلا عن سبب عدم اتصالهم بي إلى حد اليوم ، أشاروا علي بمصلحة المصالح المشتركة ، اتصلت بهذه رغم عدم فهمي لدورها ، هناك أشاروا علي الإتصال بصندوق دعم الإبداع ، اتصلت بصندوق الإبداع ، فألقى علي أحد مسؤوليه محاضرة حول طريقة طلب الدعم ثم دعاني إلى كاتبته لتقدم لي قائمة في مجموع الوثائق التي على إعدادها للمشاركة ، سألتهم إن وصلهم طلبي و مخطوطي ، فنفى ذلك ، و دعاني للعودة للمصالح المشتركة للتأكد من مكانه ، عدت إلى المصالح المشتركة ، فدعتني السكرتيرة إلى الإنتظار حتى تبحث عنه ، جلست أنتظر لمدة ساعات لتعلمني في النهاية ان مطلبي و مخطوطي لم يردا عليهم ، و طلبت مني العودة إلى مكتب الضبط ، للتدقيق ، عدت من جديد لمكتب الضبط ، فأعيد البحث من جديد ، ليعلمني الكاتب أن مطلبي و مخطوطي فعلا أحيلا إلى المصالح المشتركة ، عدت إلى المصالح المشتركة ، فدعتني السكرتيرة إلى انتظار المديرة المسؤولة حتى تعود من اجتماع لها ، فربما مطلبي على مكتبها ، جلست من جديد منتظرا لمدة ساعات و في النهاية طلبت مني السكرتيرة رقم هاتفي لتعلمني ما سيسفر عنه البحث يوم الغد ، لأن انتظاري سيكون بلا طائل في هذا الوقت المتأخر . أعطيتها رقمي و قصدت محطة القطار ، لأعود لمقر سكناي في جهة الساحل التونسي .
في الغد هاتفتني السكرتيرة لتعلمني ان مطلبي وجّه لدار الآداب . بعد أيام سافرت لتونس العاصمة ، و توجهت لوزارة الشؤون الثقافية ولمكتب الضبط بالتحديد ، فأشاروا علي الإتصال بدار الآداب ، و هناك استقبلتني المديرة و سألتني عن حاجتي ، قدمت لها المطلب و قلت لها بأني أنتظر الجواب منذ أربعة أشهر ، قالت لي يجب أن نتأكد من وصول مطلبك للدار أولا ، و دعت السكرتيرة للبحث ، بعد ساعة جاءت السكرتيرة لتعلمنا أن لا أثر للمطلب و للمخطوط ، قالت لي المديرة محتجة على انفعالي : أترى ! لا لزوم للإنفعال ، كان عليك أن تتثبت أولا .
عدت إلى مكتب الضبط ، و اخبرتهم بما حدث لي في دار الآداب ، قلت لهم : لا أريد منكم شيئا ، أريد أن تعيدوا لي مخطوطي لا غير ، أنا كاتب معروف و إن لم تعيدوه لي سأفضحكم و أفضح وزارة الثقافة . دعوني من جديد للإتصال بدار الآداب لأنهم على يقين أن مطلبي وجه هناك ، عدت إلى دار الآداب ، و أخبرتهم بما قاله لي مسؤول مكتب الضبط ، قلت لهم اتصلوا به إن شئتم ، أمرت المديرة بالبحث من جديد ، و بقيت أنتظر ، جاءني أحدهم ، بعد مدة و قال : نريد أن نساعدك فامهلنا بعض الوقت ، اذهب إلى المقهى و عد بعد ساعة .
عدت إليهم بعد ساعة ، استقبلوني هاشين ، باشين ، قائلين الحمد لله لقد وجدنا مطلبك و مخطوطك . في إطار التهرب من المسؤولية و رمي الكرة لي قالوا و هم يمدون:ها هو ردنا ، و أروني وثيقة غير مكتملة البيانات و غير ممضاة ، قلت لهم : لماذا لم تهاتفوني ؟ ، قالوا : هاتفك أحد الزملاء و لكنك لم تجب ؟ قالت لي المديرة :ما اسمك ؟ ، قلت لها : أنا فلان ألا تعرفينني ؟ قالت لي : نحن نعرف الذين نتعامل معهم فقط ، قلت لها : و لكن لديكم مخطوطي الشعري ب472 صفحة منذ أشهر.
لن أكون استثناء في تغييبي و عدم الإعتراف بي ، لقد سبقني الكثيرون . تابعوني : الزوار الذين يزورون تونس العاصمة ، العرب منهم و الاجانب ، يرون تمثال هائل يمثل العلامة ابن خلدون ، يحتل قلب شارع الحبيب بورقيبة النابض ، و لكن ما لا يعرفونه أن ابن خلدون هُجّر في حياته ّ، اختار الرحيل عن تونس بعد أن عجز عن الموافقة و النفاق مغادرا البلاد نتيجة التحالف و التآمر عليه ، و استقر في القاهرة حيث مات و دفن فيها .
أبو القاسم الشابي الأسطورة الذي تتغنى به كل الشعوب العربية الثائرة ، ما لا تعرفونه أنه مات في عنفوان شبابه يائسا ، محبطا و مقهورا ، فرغم احتفاء المشارقة بشعره و اعترافهم به كشاعر كبير من خلال مجلة "أبولو " و توطد العلاقة بينه و بين أحمد زكي أبو شادي ، رفضه التونسيون ، تجاهلوه و لم يعترفوا به في حياته .
إن كان التجاهل و الإقصاء و التهميش من نصيب أبو القاسم الشابي ، فإن التكفير و التشهير و النبذ كان من نصيب الطاهر الحداد ، رائد حقوق المرأة ، قالوا له " هذا على الحساب قبل أن نقرأ الكتاب " هههه ، ردا على كتابه " امرأتنا في الشريعة والمجتمع "حرموا عليه الزواج ، و مات في سن السادسة و الثلاثين من العمر بائسا .
وبالمناسبة ، إثر الثورة تقام سنويا مهرجانات شعرية بإشراف و تمويل وزارة الثقافة ، تحت مسميات كبرى مثل "مهرجان قرطاج للشعر " ، "المهرجان الدولي للشعر " ، "القصيدة الذهبية " إلخ … ، يستدعون فيها أسماء عربية كضيوف ، لتغطية الحدث ، و في النهاية نقرأ تعليق هزيل لأحد ضيوف المهرجان في أحد المواقع الثقافية الإلكترونية يتحدث عن جمال تونس الخلاب ، و يشكر فيه حفاوة الإستقبال و حسن الضيافة لا غير ، هم يعتقدون أنهم بمثل هذه المهرجانات و ربط العلاقات مع العرب ، سيصبحون شعراء كبار ، بينما هم شعراء micro لا يذكرون إلا يوم المهرجان ، حتى أننا لا نجد أثرا لنصوصهم في هذه المهرجانات على المواقع الإلكترونية ، على عكسي أنا مثلا ، الشاعر المغلوب على أمره بالتغييب عن مثل هذه المهرجانات العالمية و الإقصاء و التهميش ، فنصوصي متوفرة على النات. ربما تفهمون الآن سبب موت الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي في سن الخامسة و العشرين محبطا و مقهورا ، محطما ، بتجاهله و عدم اعتراف الشواذ و العاهرات به ، و تفهمون دوافع إنتحار الشاعر نضال الغريبي في مارس 2017 ، فقد وجد نفسه سجين مكبل عاجز عن الحركة ، عاجز عن الحياة ، و مهما حاولتم لومه حول الهزيمة بدل النضال و المقاومة كمثقف و شاعر ، فإنكم لن تتخيلوا الطريقة التي يمارسون بها التغييب ، التجويع و الترويع ، أعني سحب المواطنة و تحويل الوطن إلى سجن ، "وفق وافق أو نافق " أعني الإنتهازية و الوصولية ، الخصوصية و الأصالة .
إذا ، تهميش الرموز و التنكيل بهم و خيانتهم و غدرهم و طعنهم في الظهر ليس جديدا عبر التحالف و التآمر الخصوصية و الأصالة ، بدأ مع حنبعل (عودوا إلى ما ذكره الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت في "قصة الحضارة "حول سبب هزيمة حنبعل في حملته على روما ) و لن ينتهي مع بورقيبة ( لم يدافع احد عن بورقيبة عند انقلاب بن علي بل هللوا للجنرال ، و ظل بورقيبة سجينا في دار الوالي في المنستير مسقط رأسه ، لمدة 13 سنة وسط لا مبالاتهم ، كما هرب كل المطبلين لبن علي عند سقوطه لأنهم انتهازيين لا دين و لا ملة ، مما دفعه هو نفسه للهروب ، الرئيس الوحيد الهارب ، على عكس القذافي و مبارك و بشار الأسد و عبد الله صالح و مؤخرا البشير ، و هذا يعود للخصوصية و الأصالة ) .
أسوق قصتي هذه مع وزارة الشؤون الثقافية التونسية في أجواء الدعاية لمسرحية العصابات الرديئة الإخراج للإنتخابات ، يريدون إيهامنا بالديمقر اطية (حكم الشعب ) و بتجنب العنف ، في إشارة للحروب الدائرة في المشرق ، يعني أن شعوب المشرق ( العراق ، مصر ، سوريا ، لبنان ، فلسطين ، الأردن و اليمن ) شعوب همجية و بربرية لذلك تتجه للعنف و الصراع بدل التحاور و التوافق . لا ، لا ، لا أريد أن أكون شاهد زور أمام التاريخ ، هذه الشعوب العريقة ، هي أصل الحضارة الإنسانية و لن يتحقق التغيير العربي المرتقب إلا عبرهم لا عبر الشعوب الهامشية في التاريخ أو المتخمة ، و لذلك هم يتعرضون للتدمير الممنهج و المنظم من قوى الإستعمار و الإمبريالية العالمية . و لهذه الشعوب المبدعة فضل علينا نحن المبدعين التونسيين ، فحضارتهم العريقة تلهمنا و بحكم أصالتهم ، يعترفون بنا ، رغم تغييبنا و محاولة طمسنا في تونس من طرف العاهرات و الشواذ الذين تواجدوا فيما قبل ابن خلدون ، لأن "وافق أو نافق او غادر البلاد "اكتشاف لهذه الملة ، و تواجدوا مع البقية كأبي القاسم الشابي و الطاهر الحداد ، و يتواجدون الآن و سيتواجدون مستقبلا .
في مقابل تغييبنا نحن المبديعين في تونس، فإنهم ، يرقصون للآخرين ب"السليبات ، التبابين النسائية " في مسرح قرطاج ، اسألوا Patric Bruel أو Mykol jackson على سبيل الذكر لا الحصر و غيرهم من النجوم العرب و الأجانب ، بل أكثر من ذلك ، كل المطربين العرب يمرون من مسرح قرطاج للحصول على تأشيرة النجومية مهما كان تواضع موهبتهم ، فالتونسيون و التونسيات سيحتفون بهم و سيملؤون لهم مدارج مسرح قرطاج و يرقصون لهم ب"السليبات" و يدفعون لهم بالدولار. و على عكس ذلك ، كم دمر مسرح قرطاج من مطرب تونسي رغم موهبته الكبيرة ، لأن الجمهور التونسي لم يحضر عرضه ، و قس على ذلك في جميع الفنون لأن المقولة المعروفة " لا نجومية في تونس " عكس كل شعوب العالم التي تخلق نجومها و تصنعها ، و لذلك هم يدمرون كل المواهب و يطمسونها . المواقع ، اعتمادا على مقولة "لا نجومية في تونس " ، لا يحتلها الكفاءات ، بل الموافقون و المنافقون ، أعني الإنتهازيين و الوصوليين ، من يمثل تونس في التظاهرات الدولية في الشعر أو في غيره من الفنون إلا الإنتهازيين و الإنتهازيات ، هذا هوا قانون اللعبة " وافق أو نافق " . سيعترض معترض و يقول هناك نجوم تونسية لها إشعاع عربي ، تعنون أولئك من جعلتهم مصر نجوما و إنتاجهم مصري شرقي ، أعني يغنون الشرقي و يمثلون المصري لا غير ، أعني شرقيون من أصل تونسي ، و لكن الفضل في نجوميتهم يعود في الأول و الأخير إلى مصر ، فالمطرب التونسي الذي يغني التونسي يخرج من تونس في مناسبات التبادل الثقافي لا غير ، و في أغلب الأحيان يعتمدون الفرق الفلكلورية.
العصابات الحاكمة يريدون إيهامنا بالديمقراطية و الإنتخابات ، وان تونس مثال يحتذى به ، الغربيون أنفسهم تفطنوا لهذه الخدعة ، هذا ما يقولونه حول الإنتخابات ، إيهام القطيع بأنه من يحكم من خلال الإختيار الحر لماريونات (تحركهم أصابع خفية لا يعرفون من تكون لأنها تختبئ في الظل ، و هي أساسا حكوماتهم و أنظمتهم السياسية الكاذبة و المخادعة بدساتيرها التي تخدم الأقوياء و أصحاب النفوذ من البنوك و شركات التأمين و الشركات التجارية و الصناعية أي تسخير الموارد العامة من الأداءات لخدمة القطاع الخاص ، لم يعد لهم ثقة في المنظومة السياسية و لا في العدالة الإجتماعية و لا في الإعلام ، بعد حولوهم إلى حيوانات استهلاك ) ، يقع اختيارهم مسبقا - يقنعون القطيع بأنه يحكم بينما يسوقونهم نحو المسلخ ، تفطن الغربيون للخداع ، بالدعاية الإعلامية و بروباغندا الإنتخابات لممثلين يقدمون مسرحية كاذبة و زائفة لأنهم كممثلين للسلطة الشرعية لا دور لهم إلا المصادقة و الموافقة على القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية في الغرف المغلقة. الغرب يدرك اليوم أنه وصل إلى طريق مسدودl’impasse . و ما انتفاضة السترات الصفراء في فرنسا إلا إعلان إفلاسه ، إذ إفلاس فرنسا برمزيتها التاريخية يعني إفلاس الغرب .
فإن كان الأمر كذلك في الغرب ، فهل سنعول على عصابات تهرب الثروات عبر الصندوق النقد الدولي و من ورائه القوى الإمبريالية و الإستعمارية من امثال أمريكا و فرنسا ، هذا تصريح سهام بن سدرين في الصحيفة الإلكترونية "الجريدة" بتاريخ 27مارس 2019 "كشفت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين أن المكلف العام بنزاعات الدولة قد رفض تعويضات بـ1000 مليون دينار من قبل صهري الرئيس الأسبق بلحسن الطرابلسي و500 مليون دينار من طرف صخر الماطري وأنهما قدما مطالب صلح في الغرض.
وقالت سهام بن سدرين في حوار على قناة "قرطاج " إن الحكومة ليست لها رغبة لاسترجاع الأموال المنهوبة وخيرت مد يدها للقروض الأجنبية، مضيفة أن الهيئة مكنت من استرجاع 745 مليون دينار لـ7 طالبي صلح من مجموع 685 ملف "الدولة فيهم ضحية وصبتهم للهيئة" حسب تصريحها." https://www.aljarida.com.tn/articles/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D8%A8%D9%86-%D8%B3%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%AD-1000-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%AD-%D9%88%D8%B5%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B7%D8%B1%D9%8A-500-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1
في عهد بن علي كان الحديث عن صندوق النقد الدولي يكاد يكون من المحرمات و لا يذكر في وسائل الإعلام خوفا من الإحتجاجات ، أما اليوم - أعني بعد الثورة التي لم يعد أحد يذكرها ، بل صاروا يترحمون على عهد بن علي ، من من العقلاء ، يؤمن اليوم بالثورة في تونس ؟ أي ثورة ؟ و الحال أن النظام لم يسقط منذ 14 جانفي 2011 ، حين ظهر محمد الغنوشي ، عبد الله القلال و فؤاد المبزع ،لإستلام الحكم بعد هروب بن علي ، أعني قبل ظهور الإخوان في المشهد ، إنما الإخوان باركوا الصفقة بينهم و بين أمريكا الإمبريالية ، أعني مشاركتهم الحكم مقابل الإبقاء على منظومة الفساد - فيتم الحديث عن زيارة ممثله (صندوق النقد الدولي ) كأي ديبلوماسي أجنبي ، يتم اليوم نهب الثروات عبر الشرعية الإنتخابية ، صارت المعيشة في تونس أغلى من فرنسا رغم أننا شعب 11 مليون و نصف و لسنا 100مليون كمصر مثلا ، و تونس بلد له ثروات ضخمة ، و بالمناسبة ، باستثناء تلك المظاهرة في شهر أوت 2018 المطالبة بالتشريع للمثلية الجنسية في الدستور ، لم أسمع عن مظاهرة أخرى احتجاجا على غلاء المعيشة ، ربما هي مظاهرة تخدم السياحة الجنسية في تونس التي تحدث عنها جون آر برادلي في كتابه " ما بعد الربيع العربي " ترجمة شيماء عبد الحكيم طه ، مراجعة محمد إبراهيم الجندي - و روادها الجزائريون و الليبيون .
هذا لا يثير الدهشة ففي تقرير هيئة الحقيقة الكرامة ، كان racaille أداة فعالة لدعم حكم بن علي باستخدامهم ك"قوادة" و وشاة ، الأمر ليس جديدا فميشال فوكو تحدث عن استخدام النظام البرجوازي في القرن الثامن عشر للمنحرفين لإستهداف الأحرار ، في تونس يستخدمون racaille للقوادة و الوشاية ، و لا أعتقد أن كل الوشاة و القوادة يمنحون رواتب كما جاء في التقرير ، بل يمكن شراؤهم ب"قهيوة" أو ب"وجيّه" باعتبار انتهازيتهم ، و الأمر برمته يعود إلى منظومة وافق أو نافق أو غادر البلاد ، يعني "اشهد شهادة الزور " فالتقرير يتحدث عن تدمير الكثير من الناس زورا و بهتانا عبر الوشاية ، رغم ان لا علاقة لهم بأي ايديولوجيا أو فكر متطرف. و الغريب أن بورقيبة ، باني الدولة الحديثة و الذي لم تحظ جنازته بالتكريم الذي حظيت به جنازة الباجي قايد السبسي الذي دخل على هامش الأحداث ، نفهم ذلك في إطار المسرحية و مزيد الشرعنة لنظام العصابات ، عبر الدعاية و البروباغندا ، لأن الترويج ان السبسي منقذ البلاد من الدخول في الفوضى ضرب من الدعاية الكاذبة ، أولا الشعب التونسي شعب مسالم و هذا ما يقوله المؤرخ و الفيلسوف الأمريكي ديورانت في "قصة الحضارة" حين يؤكد أن الشعب التونسي شعب سلس القيادة ، أي لا يمثل تهديدا أو خطرا على الحاكم ، و نذكر ما قاله أوباما أن الشباب التونسي قاموا بثورة و في اليوم الثاني رأيناهم ينظفون الشوارع من آثارها ، ثم ، الإخوان لو سعوا إلى الإستيلاء على الحكم ، لكان مصيرهم السجن ، لذلك هم ابقوا على منظومة الفساد و اعادوا فسّاد النظام السابق إلى الحكم ، و رفضوا التصويت لإقصاء التجمعيين من الإنتخابات ، ثم في إنتخابات 2014 تخلوا عن حلفائهم ، ليتحالفوا مع التجمعيين ، و قبل ذلك كانت سفرات رموزهم ، راشد الغنوشي و حمادي الجبالي ، إثر سقوط بن علي إلى الولايات المتحدة لتقديم فروض الولاء والطاعة ، هذا مفهوم و معروف لدى الجميع ، لأنها صفقة و ليست ثورة - قلت رغم ان بورقيبة حاول تربية racaille على الأنفة و عزة النفس ، النخوة و الكرامة ، لا الذل و الهوان عبر الوشاية و القوادة و الإنتهازية.
فإن كان انتحار الشاعر نضال الغريبي يفهم ضمن عدم الإعتراف عبر التغييب و الإقصاء ، التجويع و الترويع الذي يستهدفون به المبدع التونسي ، إذ نضال الغريبي ليس الأول و لن يكون الأخير كما رأينا .
و يفهم الترويج لمسرحية الإنتخابات الزائفة و الكاذبة عبر الدعاية الإعلامية ، كعلامة للديمقراطية أي حكم الشعب ، شرعنة لنهب الثروات و تهريبها من طرف العصابات الحاكمة ، عبر صندوق النقد الدولي بالشرعية الإنتخابية .
و لكننا لا نفهم صمت الجميع على جريمة ضد الإنسانية ، جريمة إبادة جماعية واضحة المعالم ، و أعني بها عملية قتل الرضّع في مستشفى الرابطة بتونس العاصمة و المستشفى الجهوي بنابل ، و اقول عملية قتل ، بل إبادة جماعية ، لم تقع في عهد الديكتاتور بن علي . في عهد بن علي كان النقص موجودا ، و لكن المواطن في العمليات الجراحية يخير المستشفى على المصحة الخاصة ، لأنه متأكد أنها مراقبة من الدولة مراقبة صارمة ، و محافظة على صحة المريض ، و إن وقعت حادثة موت في المستشفى ، يعلق الرأي العام متهما المستشفيات بالإهمال ، و نذكر ما وقع في حادثة موت محمد البوعزيزي.بينما حادثة قتل الرضع مرت بسلام و صمت مطبق ، حتى من أهالي الرضع أنفسهم فما بالك بالهيئات الحقوقية و منظمات حقوق الإنسان في تونس .
كيف و لماذا قتل الرضع ؟ هذا ما وقع بالضبط ، قاموا في السنوات الأخيرة أي بعد 14جانفي 2011 بعملية تخريب مؤسسات الصحة العمومية عبر الإهمال ، نقص في الإطار الطبي و الشيه الطبي ، لا صيانة للبنية التحتية و لا أدوية و لا تجهيزات و لا أدوات ، إطالة مدة إنتظار المواعيد الطبية مع أطباء الإختصاص إلخ ...، و رغم صيحات فزع الإطباء من خلال عديد الإضرابات و الإحتجاجات و نداء المسؤولين عن المؤسسات الطبية
و هذه مراسلة تمثل نداء استغاثة لمسؤول من مستشفى نابل ، هذا نصها ;
نابل في 12/03/2019
إلى وزيرة الصحة
تحت إشراف السيدة المديرة الجهوية للصحة بنابل
تحت إشراف السيد مدير المستشفى الجهوي بنابل
الموضوع ; طلب جلسة استعجالية لإنقاذ منظومة صحة الأطفال بولاية نابل
إني الممضي أسفله الدكتور هيثم البشروش مساعد استشفائي جامعي في طب الأطفال رئيس قسم الأطفال و الولدان بالنيابة بالمستشفى الجهوي محمد التلاتلي بنابل ، أتقدم لكم برسالتي هذه لإعلامكم استباقيا بخطورة ما آلت إليه الأمور و ما سيحصل إن لم تتخذ إجراءات استعجالية في شأن صحة الأطفال بولاية نابل .
حيث أن الوضعية الحالية وصلت إلى شلل تام بقسم الأطفال بمنزل تميم بعد خروج الطبيبين المباشرين و لم يتم تعويضهما و لم يلتحق أطباء الخدمة المدنية بذلك القسم و حيث أن قسمنا بنابل يشكو عديد التداعيات على المستوى البشري و المادي أدى بي إلى تقديم استقالتي و إعلام الوزارة بقراري النهائي في المغادرة يــــوم 01 جويلية 2019 و نظرا لما سبق فإني أطلب منكم جلسة استعجالية لرسم خطة واضحة للإنقاذ من إنهيار القسم الجامعي الوحيد للأطفال بولاية يقطنها مليون ساكن .
الدكتور هيثم البشروش
منسق قسم الأطفال و الولدان
نص الرسالة الأصل مع الإمضاء على هذا الرابط
http://www.arabesque.tn/ar/article/54053/%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B6%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D8%A7%D8%A8%D9%84-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D9%82%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B6%D8%B9-%D9%88-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D8%AA%D9%87
قلت رغم ذلك ، تواصل منهج التخريب بخطى حثيثة لدفع المواطن ليفقد ثقته في مؤسسات الصحة العمومية ، و لفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الصحي الخاص ، أعني أمام المافيا الطبية التي تحدثت عنها الطبيبة الكندية Guylaine Lanctôt ( لم أجد على النات ، نصوصا تتحدث عن هذه الطبيبة من العرب كتابا أو أطباء كتاب ، للأسف ) و تعني بها "البزنس" الطبي أو الإستثمار ، شركات الأدوية و والصناعة الطبية و تورطها بالتواطؤ مع الحكومات في تدمير صحة الإنسان ، فهي ترى مثلا ان التلاقيح الإجبارية لا تستخدم لحصانة الإنسان من الأمراض فهذه دعاية و إشهار استثماري ، بل لدعم الأمراض فما معنى أن يلقح إنسان في صحة جيدة بدواء ( الحيوانات البرية لا تلقح و هي بصحة جيدة و محصنة ، ثم منطقيا ، المافيا الطبية ، وهم أصحاب شركات الأدوية و الصناعات الطبية ، سيضطرون لغلق شركاتهم و سيفلسون إن صار الناس يتمتعون بصحة جيدة و ليسوا في حاجة لمنتجاتهم ) ، بل تستخدم هذه التلاقيح لتقليص عدد السكان عبر التعقيم و تحديد النسل و عبر الإبادة الجماعية ، بل و للقيام بالتجارب عليهم ، و لتسهيل السيطرة وعليهم و قيادتهم فكل تلقيح يدمر جزءا من الدماغ . هذه الطبيبة ترى أيضا أن السيدا و هي جريمة دولية أكثر ضحاياها في إفريقيا ، ليست مرض ، بل المرضى يموتون من الأدوية السامة التي يعالجون بها و يموتون أساسا من الخوف الذي يتسبب فيه الطبيب ف séropositif التي يؤكده بعد تحليل الدم تعني الموت بالنسبة للمريض لأن له ثقة عمياء في الطبيب ، و هي بالمناسبة تتهم مباشرة الأطباء بأنهم طرف فعال في المافيا الطبية المتلاعبة بصحة الإنسان و المدمرة لها ، بل أكثر من ذلك تدعو إلى عدم الثقة بهم لأنهم يكذبون فهم مبرمجون وفق برامج دراسية في كليات الطب ، مرسومة من طرف المافيا الطبية ترعاها الحكومات ، فإن خرج أحدهم عن هذه البرامج يستهدف بالملاحقة و التدمير ، و تذكر على سبيل المثال الطبيب الألماني هامر Ryke Geerd Hamer و الذي لوحق و نكل به عبر طرده من سلك الطب الرسمي و سجنه و حورب في كل مكان من طرف المافيا الطبية ، و السبب كشفه أن الأمراض السرطانية سببها الرئيسي الصدمة النفسية و ليس جسدي ، و علاجها لن يكون بعلاج الجسد بالعقاقير chimiothérapie و العمليات الجراحية بل بالعلاج النفسي الروحي .
و لقائل أن يقول ، طيب ، لماذا لم تكتفي العصابات بتخريب المستشفيات و تحقق هدفها تدريجيا ؟ لماذا أضطروا لقتل الرضع ؟ و بنظرة دقيقة ، نرى السبب واضح ، الصحة المجانية في تونس هي المكسب الوحيد المتبقي من الإستقلال بعد تدمير المؤسسة التربوية العمومية و هي الآن في حالة إحتضار ، لتحل مكانها و تسود تدريجيا المؤسسات التعليمية الخاصة ، و رغم التخريب المنظم و الممنهج للمستشفيات و خاصة بعد سقوط بن علي ، لم يفقد المواطن ثقته بها ، و لازال يعول عليها ، و لضرب هذه الثقة و تدميرها نهائيا ، كان عليهم أن يقوموا بهذه الخطوة التي تخدمهم في جانبين الأول فقدان المواطن كل أمل نهائيا في جميع أصناف المؤسسات الإستشفائية العمومية (الشعبية) الجامعية منها و الجهوية ( الرابطة مشتشفى جامعي و مستشفى نابل جهوي ) ، المواطن البسيط ،/اليوم ، و خشية من موت رضيعه في المستشفى العمومي ، سيقتطع لحم جسده ليوفر المال الذي يمكن زوجته من الولادة في المصحات الخاصة التي غزت المدن و القرى و انتشرت كالنار في الهشيم ، فضلا على مراكز تحليل الدم و التصوير بالأشعة التي احتلت الشوارع معلنة وجودها بلافتاتها الضوئية . و المكسب الثاني هو تربية الجيل الجديد في المصحات الخاصة لا المستشفيات .
و السؤال الذي يطرح اليوم ، متى سيفتح تحقيق دولي في ملابسات هذه الجريمة ضد الإنسانية ، أعني جريمة قتل الرضع ، و إبادتهم جماعيا ، و تقديم المجرمين للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم خاصة و أن تونس من بين الدول الموقعة على قانون المحكمة ، و هذا سيساعد في التحقيقات ؟ .
صالح محمود
التعليقات