شبح وادي النجوم
يجب أن تصدقني
في صيف 1985 كنت في الرابعة عشر من عمري قد قرر والدي تسجيلي في إحدى المعسكرات الصيفية للمراهقين وعندما تذمرت و سألته عن السبب قال لي حتى تستطيع الاعتماد على نفسك و مواجهه مخاطر الحياة .
حدثت نفسي أي مخاطر سوف أواجهها في معسكر صيفي للمراهقين مليء بالملل .
في صباح اليوم التالي جاءت الحافلة و أنطلق السائق يشق بنا الطريق إلى معسكر وادي النجوم , بعد فترة نظرت من نافذة الحافلة رأيت الرمال الصفراء الناعمة و على البعد الجبال المنحدرة و هي تلمع على جانبي الطريق لابد أننا توغلنا تماما في الصحراء الموحشة فقد لاحظت عدم وجود أي شيء يدل على العمران في الطريق فلا أثر لأي زرع أو مساكن .
وسط صمتي سألني " رامز " و هو شاب يجلس بجواري في الحافلة في مثل عمري ذات وجه دائري و شعر بني ناعم يتدلى على جبهته و ما يميزه عيونه الزرقاء الواسعة .... هل أنت بخير ؟
فقلت له في توتر : أنا بخير .
فأبتسم لي و قال لا تقلق فإن المعسكرات الصيفية بها كثير من الأشياء الممتعة و المغامرة , ثم فاجئني بسؤاله : هل رأيت أشباح من قبل ؟!
فقلت له : أنا لا أؤمن بوجود هذه السخافات فهي من نسج خيال المؤلفين و مخرجين أفلام الرعب , لا وجود لها في الحقيقة .
فلمعت عينة و قال : أتحداك سوف تغير رأيك عندما نصل إلى معسكر وادي النجوم .
فشعرت أنة يريد أن يبث داخل قلبي الرعب
فأستمر في حديثه قائلاً : أنة يوجد شبح السيدة العجوز تم قتلها داخل المعسكر منذ 20 عاماً و لم يتبين من قتلها و لا أحد أستطاع الكشف عن سبب قتلها حتى الآن , و كل عام تقوم بالانتقام و قتل أحد فتيان المعسكر .
فشعرت بقشعريرة تسرى في جسدي من كلامه و لكني حاولت أن لا أظهر ما شعرت به .
وصلنا إلى أرض المعسكر نظرت من نافذة الحافلة , رأيت صفا من الغرف الخشبية الصغيرة بلونها البني المميز و خلف الغرف رأيت صفا من الأشجار الخضراء الرائعة , توقفت الحافلة و تحول إلينا السائق و هو يتحدث معنا و قال : مرحباً بكم في معسكر وادي النجوم .. الرائع .
اندفع الجميع و هم يحدثون ضوضاء عالية و يتدافعون للخروج من الحافلة و كل زميل يمازح الآخر بكل نشاط و حماس .
و ضربني " رامز " على كتفي و قال : مرحبا لمقابلة شبح السيدة العجوز القاتلة .. مع ضحكة تنم عن السخرية منى .
ثم تجمعنا جميعا في طابور و بدأ مدير المعسكر و أسمة العم " توفيق " طويل القامة ذات وجه مربع , أكتاف عريضة و عضلات قوية ظاهرة في ساعديه .
لترتيبنا و توزيعنا على الغرف و لحظي السعيد أو البائس لا أعلم تشاركت أنا و "رامز " نفس الغرفة , و لكنى بحثت علية في جميع الأنحاء و لكني لم أراه , و دخلت إلى غرفتي لوضع أغراضي و ترتيبها و عندما اقتربت من باب الغرفة سمعت صوت زئير من داخل الغرفة , فشعرت ببعض الارتباك و التردد و لكن قررت كسر خوفي و فتح الباب فأنا في الرابعة عشر من عمري ولا ينفع أن أخاف من أي أصوات عابرة و خصوصا نحن في وسط الغابات .
و فاجئه رأيت ما لم أكن أتخيله .....
**************
وحش برأس ضخمه رهيبة .. زرقاء اللون .. و عيون حمراء لامعة كاللهيب.. و تتدلى منة أذنان طويلتان مشعرتان بشعر أحمر خشن .. أما أنفة فلا يوجد له أنف غير فتحتان دقيقتان جدا يخرج منهم بخار رمادي ذات رائحة كريهة .. و من فمه تخرج أنياب حادة طويلة و ينساب من بين شفتيه سائل أصفر لزج , و بدأ يزأر بشكل حيواني مخيف .
في صمت مخيف حملقت في هذا الوحش الغريب .. و أطلقت صرخة عالية هزت أرجاء المعسكر , و قلت في صوت مرتعش ..سأموت الآن
ثم سمعت ضحكة تخرج من الوحش , و رأيت يد بشرية تتحرك و تنزع الوجه كله , و عندما انتزع الوجهة ظهر وجهه زميلي " رامز " و هو يسقط من الضحك على خوفي و هلعي.
غضبت من زميلي بشدة لهذا التصرف الصبياني و لكنه أعتذر و وعدني ألا يفعل هذه التصرفات مرة أخري , بعد ترتيب أغراضنا ذهبنا إلى غرفة الطعام لتناول الغذاء , ثم تم تقسيم المعسكر إلى فريقين و مارسنا لعبة كرة القدم و بعد الراحة تجمعنا و جلسنا على كراسي صغيره موضوعه على شكل دائري في وسط ارض المعسكر و قام أحد المشرفين بإشعال النار و بدأت العم " توفيق " بسرد قصص عن شبح لقاتل متسلسل يهاجم من في المعسكر و يقوم بقتلهم واحد تلو الآخر بأبشع الطرق , لم تستهوينى هذه القصص و لكن اضطررت للجلوس حتى أمرنا العم " توفيق " بالذهاب إلى الغرف و النوم حتى نستيقظ غدا مبكرا لممارسة السباحة في البحيرة ثم بعد الغذاء نذهب لعمل تخيم في وسط الغابات .
ورغم شعوري بالتعب والإرهاق لم استطيع النوم في هذه الليلة و كنت أتقلب من جانب إلى آخر في السرير الغير مريح وعندما تقلبت ناحية النافذة لاحظت أن عامود الإنارة يقف تحته شخص ما لم أتبين ملاحمه جيدا فقولت لنفسي يمكن أن يكون أحد المشرفين و لكن بعد لحظات شاهدت هذا الشخص يقترب و بدأت ملامحه و هيئته في الظهور بوضوح و اتسعت عيني مما أراه و فتحت فمي مذهولا .. و شعرت بقلبي و قد تسارعت دقاته و أصبحت يداي في برودة الثلج .. هل ما أراه حقيقي ؟
سيدة مسنة ترتدي فستان أحمر قاتم و تضع على رأسها قبعة ذات لون أسود و في جانب القبعة زهره بيضاء ,فأغمضت عيني و فتحتها أكثر من مرة حتى أتأكد مما تراه عيني أم هذا نسج خيال عقلي الباطن من كلام " رامز " عن شبح السيدة العجوز ... و فاجئه حصل ما لم أتوقعه...
وجدت عيون باردة كالثلج ينهمر منها دماء سوداء اللون كالبكاء تحدق في من خلف زجاج نافذتي , و تتساقط قطرات سوداء من على الزهرة البيضاء الموجودة فوق القبعة .
ففزعت من نظرة عيونها و شكلها المخيف و اختنق صوتي في حلقي و في محاولة بائسة بصوت مرتعش حاولت أن أنادي على صديقي ولكن من شده الخوف خرج صوتي ضعيفا مرتعشا ثم سمعت أزيز باب الغرفة يفتح ببطء فأغمضت عيني و تظاهرت إنني نائم و حاولت إخفاء نفسي تحت الغطاء و سمعت خطوات أقدام ثقيلة على أرض الغرفة ....
طخ ... طخ ....طخ ......طخ....
شعرت باقتراب الخطوات مني أكثر و أكثر و لمحت من تحت الغطاء طرف من فستان أحمر قاتم فتأكدت أن هذا هو شبح السيدة العجوز داخل غرفتي و قررت اختياري و الانتقام مني و قتلى , و شعرت بأنفاسها الحارة الكريهة تقترب مني فارتجفت من شدة الخوف و قررت أن استسلم لمصيري المحتوم و هو الموت .
******************
وسط استسلامي لمصيري المحتوم , سمعت زر مفتاح إضاءة المصباح بالغرفة مع صوت اعتذار , فنفضت الغطاء من فوقي ووقفت على السرير و لم أجد اثر لشبح السيدة العجوز , لكن رأيت فتي من فتيان المعسكر و هو يعتذر لي علي دخوله غرفتنا بطريق الخطأ , و إفزاعي مما تسبب في استيقاظي من النوم , و لكن قلت له بفرح داخلي يغمرني : لا تقلق يا صديقي لا يوجد مشكلة فانا مستيقظ أصلا .. ولا يعلم بهذا الخطأ الغير مقصود قد أنقذ حياتي من مصير لا يعلمه إلا الله .
وفي الصباح قررت أن اذهب إلى احد مشرفين المعسكر و إخباره عن شبح سيده المعسكر العجوز التي رايتها من زجاج نافذتي ثم قامت بالدخول إلى غرفتي بالمعسكر لقتلي و بعد الانتهاء من حديثي .
نظر المشرف إلى أمراه كانت تجلس بجواره وكانوا يتبادلون النظرات إلي بعضهم البعض في قلق و ارتياب من حديثي .
ثم وجهت المرأة نظراتها إلي وقالت إن ما تقوله غريب بحيث يبدو تماما ما توصفه مثل " السيدة نهاد " التي تم قتلها في المعسكر منذ 20 عام .
وحتى يومنا هذا و أنا لا اعرف هل ما رايته في تلك النافذة هو شخص حقيقي أم شبح من نسج خيالي وكلام صديقي " رامز " عن شبح سيدة المعسكر ولكن أنت يجب أن تصدقني .
النهاية

محمد امين
التعليقات