ثقافتك اللغوية تحدد مكانتك العلمية والاجتماعية
لا شك أن ثقافة الفرد اللغوية واسلوبة في الحديث وفي طرح افكا9ره هو الذي يحدد مكانته في محيط عمله وفي المجتمع ككل ، فاللغة هي اداة التواصل الاجتماعي والحضاري وبقدر ما كان الانسان فصيح اللسان قوي البيان يزداد تقدير الاخرين له وساعدة ذلك على لفت الانظار وسحر الالباب بما يختاره من عبارات وينتقية من ألفاظ ... وقد قيل قديما "من عرف بفصاحة اللسان ،لحظتة العيون بالوقار " ، ولعل من ابلغ الاقول في مكانه الرجل الفصيح وعلو منزلته ما قاله يحيى بن خالد البرمكي ( ما رأيت رجلا قط ألا هبته حتى يتكلم ،فأن كان فصيحا عظم في صدري وأن قصر سقط من عيني ) ...
ومن المؤسف في الوقت الحاضر أننا نلاحظ اشخاصا يحملون شهادات عليا وفي اختصاصات شتى ولكن حين يبدأون في الحديث بالعربية الفصيحة نراهم يلحنون أشد اللحن ويخطئون أعظم الخطأ فنراهم يرفعون المنصوب وينصبون المرفوع وكأنهم أبتدعوا نحوا جديدا ، وحتى في كتاباتهم نلحظ ايغالهم في الاخطاء الاملائية الفادحة ،والسبب في ذلك يعود لاهمالهم لغتهم الام واقبالهم على تعلم اللغات الاجنبية واتقان قواعدها بينما ينفرون من العربية ونحوها ، هذا الامر يستوجب منهم أن ارادوا تلافي الوقع في اللحن والخطأ ان يراجعوا شيئا من دروس النحو ،لا نقول ان يتعمقموا في دراستة بل الاقتصار على اساسيات اللغة التي لا غنى عنها والتي تحفظهم من الوقوع في الاخطاء ،ومن تمام ثقافة الفرد ومن الامور التي تحبب الية اللغة ودروسها هو قرائته للشعر العربي الفصيح والجاهلي منه بخاصة ،لما حواه من بلاغة وفصاحة وتعبيره أحسن تعبير عن المعاني والقيم الانسانية التي تدعوا الانسان الى الترفع والرقي والتحلي بمكارم الاخلاق ،فضلا عن التمتع بالقيم الجمالية التي يزخر فيها شعرنا العربي... كما أن الشعر الفصيح البليغ يقوم السنتنا ويبعدها عن اللحن والخطأ ، والشعر العربي ذاته يحفل بالابيات التي تذم العي واللحن والعجز عن البيان والتعبير ، ومن هذه الابيات قول بعضهم :
ويعجبني زي الفتى ولسانه فيسقط من عيني ساعة يلحن
وقال آخر في ذم اللحن ،
لحن الشريف يزيلة عن قدرة وتراه يسقط من لحاظ الاعين
فقد جعل الشاعر الجمال الجسدي المادي والمكانه العالية مقترنان بفصاحة اللسان ،فلا نفع للوجة الحسن بلا لسان بليغ فصيح يتمم الحسن ويطرية .
وقد تجاوز البعض بغضهم للحن الى حد أن اعتبروه ذنبا من الذنوب التي يجب أجتنابها ، فقد ذكر أبن فارس في كتابة "الصاحبي في فقة اللغة " ما نصه " وقد كان الناس قديما يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أو يقرؤونه أجتنابهم لبعض الذنوب" .
وكيف لا يعتبر اللحن ذنبا من الذنوب وهو مرتبط بلغة العرب التي نزل فيها كلام الله- عزوجل -وكتابه القرآن الكريم ،ولهذا حرص الاوائل على اتقان اللغة بنحوها وصرفها ليفهموا كلام الله ويعوا مقاله ، ومما يروى في ذلك ، أن اعرابيا قدم المدينة في خلافة عمر بن الخطاب (رض ) فقال ،من يقرؤني شيئا مما انزله الله تعالى على محمد (ص) فأقرأه رجل سورة براءة فقال ( أن الله بريئ من المشركين ورسولة ) بكسر الهاء ،فقال الاعرابي ،أوقد برئ الله من رسوله فأنا ابرئ منه ، فبلغ ذلك عمر (رض ) فدعاه وقال له أتبرأ من رسول الله يا اعرابي ،فذكر الاعرابي ما وقع له ،فقال عمر ،ليس هكذا يا اعرابي ،فقال وكيف هي يا امير المؤمنين فقال عمر (أن الله بريئ من المشركين ورسولة ) بالضم ،فقال الاعرابي وانا ابرئ ممن برئ الله ورسولة منهم ،وكان من نتائج هذه الحادثة أن امر عمر بأن لا يقرئ القران ويعلمة الا عالم باللغة .
ومن أشهر من عرف بالفصاحة وقوة البيان واصل بن عطاء ،رأس المعتزلة وكبيرهم ،وقد عرف عنه أنه كان يلثغ "يلفظ الراء غين " ولكنه ولعظيم فصاحتة وقوة بيانة أعتاد الكلام متجنبا الالفاظ التي تحوي حرف الراء بلا تكلف وبدون ان يشعر جلسائة وندمائة بذلك ، وروي انه قد ذكر عندة بشار بن برد الذي كان يتهم بالزندقة فقال :
)أما لهذا الاعمى المكنى بأبي معاذ من يقتله ؟ أما والله لولا ان الغيلة من اخلاق الغالية لبعثت الية من يبعج بطنه على مضجعة ،ثم لا يكون الا سذوسيا أو عقيليآ ).
ونلاحظ انه كيف انه تلاعب بالالفاظ وأحكم صياغتها باسلوب بليغ يسحر الالباب وقد تجنب الراء في كل ما قاله ،فأنه قال الاعمى ولم يقل الضرير وقال أبي معاذ ولم يصرح بأسمة بشار بن برد وقال لبعثت ولم يقل لارسلت وقال يبعج ولم يقل يبقر وقال على مضجعة ولم يقل على مرقدة او على فراشة ...
ويروى أيضا أن جماعة ارادوا تحدية واحراجة ،و كان جالسا في حلقته بمسجد البصرة والناس حولة فدفعوا الية رقعة حشوها بالراءات وطلبوا منه قرائتها وكتبوا فيها " أمر أمير الامراء الكرام أن يحفر بئرآ على قارعة الطريق فيشرب منه الصادر والوارد " فقرأ واصل بن عطاء على الفور ... حكم حاكم الحكام الغخام ،أن ينبش جبآ على جادة الممشى فيسقى منه الصادي والغادي ، فغير كل لفظ برديفة وهذا من عجيب الاقتدار .
وختاما ، فان فصاحة اللسان وقوة البيان تزيدان المرء هيبة وجلالا ووقارا وتستران عيوبة وتخفيها وبها تتمم شمائلة وخصالة الحميدة ، فمن المعيب على الانسان ذو القدر الرفيع المكانه الكبيرة في مجتمعه ان يلحن في حديثة ، ولله در القائل :
كفى بالمرء عيبا ان تراه له وجها وليس له لسان
وما حسن الرجال لهم يزين إذا لم يسعد الحسن البيان
حسن أبراهيم الجبوري
التعليقات