(فى الصمت .. مبدعون) خطوة أمل في ماراثون الإنسانية !
في العام 1620م بالعاصمة الإسبانية "مدريد"،بينما كان العامة مشغولين بتفاصيل حياتهم اليومية المتكررة، كان (جوان بابلو بونيتت) مشغولاً بمقالته ذي العنوانِ (اختصارُ الرسائلِ والفنِّ لتعليمِ "الصم والبكمِ" الكلامَ),تلك التي تم إعتبارها أولُ وسيلةٍ للتعاملِ معَ علمِ الأصواتِ ومعالجةِ صعوباتِ النطقِ،وصارت مبادئ أولية لوسيلةً التعليمِ الشفهيِّ للأطفالِ الصمِّ بحركاتِ الأيديَ،وتسهيلِ التواصلِ معَ الآخرين ، مع مرور السنوات..شهدت تلك الوسيلة تطورات عديدة ساهم فيها أشخاص كُثر ،لتسهيل التواصل ودمج الصم والبكم في المجتمع ،ممن كان لهم نصيب في تلك السلسلة الإنسانية..فتاة جامعية طموحة تُدعى "هانم طه" ، صاحبة مبادرة " فى الصمت مبدعون".
المبادرة بإختصار ـ وكما أخبرتني صاحبتها ـ "مبادرة توعوية بذوي الإحتياجات الخاصة،وأنهم لهم حقوق وعليهم واجبات مثلنا تماما،إستهدفت فئة الصم وضعاف السمع تحديداً ، بدأت على العمل على المبادرة ـ بدايةً ـ من داخل كليتي "كلية التربية بجامعة طنطا" ، ومن ثمَّ إنطلقت إلى باقي كليات الجامعة ، كان لإتحاد الطلاب دور فعال في هذه الإنطلاقة ، ساعدني الكثيرين ممن كانت الفكرة بالنسبة لهم موضع إهتمام ،و رأوا فيها نوع من المساعدة التي تفرضها علينا المسئولية الغنسانية إتجاه هذه الفئة من مجتمعنا ، خاصةً أن منهم مبدعون حقيقيون ، لا يقلوا بأي حال عن الأصحاء ، بل بعضهم تفوق على الاصحاء".
بينما كانت "هانم طه" تحكي لي بحماس عن مبادرتها وكيف يمكن لفاقدي السمع أو النطق أوحتى البصر ،أن يكونوا أكثر إبداعاً وفناً عن نظرائهم الأصحاء .. كانت تدور في رأسي كلمات (هيلين كيلر) ،الفتاة الصماء العمياء،إذ قالت يوماً "عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا"، حيث إستطاعت "كيلر" أن تحصل على الدكتوراة من جامعة هارفارد، قبل أن يمنحها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون،وسام الرئاسة للحرية عام 1964، وهو أرفع وسام مدني بالولايات المتحدة ،و تضع مجلة «تايم» اسمها ضمن قائمة أكثر 100 شخص تأثيرًا في القرن العشرين.
"في الصمت مبدعون" تحاول "هانم طه" أن تعلم الأصحاء لغة الإشارة ليكونوا أكثر قرباً من فاقدي القدرة على النطق والسمع ، طورت من قدراتها وإمكانياتها كي تصل إلى أفضل مستوى لتساعد الاخرين ، عقدت اكثر من ندوة في أكثر من مكان للتعريف أكثر بالمبادرة وتوسيع قاعدة المنضمين إليها ،"أنا أتمنى أن أجوب مصر كلها بمبادرتي"، بهذه الكلمات البسيطة وبنظرة أمل مصحوبة بالتفاؤل،حدثتني عن حلمها لمبادرتها الطموحة ،وأجمل ما في المبادرة ـ بعد أهدافها النبيلة ـ هو عنوانها العبقري (في الصمت .. مبدعون) ، عنوان يدفع إلى الأمل وإلى التحدي وإلى إجتياز كل العقبات ، فــ "توماس اديسون" يمتلك 1093 براءة إختراع أمريكية تحمل اسمه،بالرغم من معاناته من الصمم، والامثلة كثيرة لمن تمكنوا تحدي الصمم والإعاقة السمعية أو الكلامية، والمبدعون من ذوي الإحتياجات الخاصة كثيرون في بلادنا ، لكن ربما لم يكن هناك "هانم طه" لتسهل إندماجهم في مجتمعنا ، وتساعد على إحراج طاقاتهم المدفونة.
+ هامش:
"الحياة إما مغامرة جريئة ،و إما لا شيء" ـــــ هيلين كيلر
أحمد مصطفى الغـر
التعليقات