الى اين المسير
قصيدة من ديوان شظايا النفثات الجزء الاول /
إلامَ بكَ النّوى تبقى تهيبُ *** تجشّمُكَ الصعابَ وتستجيبُ
إلى أين المسيرُ فقد تلظّى *** فؤادٌ من تَملمُلِهِ غضوبُ
إلى أين المسيرُ أرحْ ركابا *** لقد طالَ السُّرى وشكا اللغوبُ
ألا تُلقي عصا الترحالِ يوما *** فقد شَقِيَتْ بمنآكَ القلوبُ
أَمِنْ بيداء مُجدبةٍ لقفرٍ *** فلا ظلٌّ ولا مرعىً خصيبُ
بهذا العالمِ المنحطِّ ترجو *** وتنشدُ حالما عيشا يطيبُ
تقلّبُ طرفك الطمّاحَ فيه *** فتبدو من مجاهلهِ ثقوبُ
فيقذفُكَ الزمانُ بها مغيظا *** وتلقفُكَ المهامِهُ والسهوبُ
فتشربُ ظامئا بردَ السرابِ *** ويُطفي كبدَكَ الحرّى لهيبُ
يظلُّ شبابُكَ الظامي ينزُّ *** سنينا يشتكي منها الشحوبُ
وتنكأُ قلبك الدامي جراحٌ *** ويشربُ روحَكَ القفرُ الجديبُ
وما لك من هوى الأحبابِ إلاّ *** لهيبُ الشوقِ والذكرى نصيبُ
إلى أين المسير فحيثُ تهفو *** يصدُّك عن ثراه الطهر ذيبُ
ولا ألقٌ ينيرُ لك الدّياجي *** فقد حجبَ السنا ليلٌ رهيبُ
فما لك غيرُ هاتيك الفيافي *** فقد ضاقتْ بسالكها الدروبُ
تحوطك من كآبتها بسورٍ *** وتحرسُكَ المخاوفُ والكروبُ
ويطفي وقدةَ الآمال يأسٌ *** له في قلبك الآسي دبيبُ
لياليها طوالٌ موحشاتٌ *** يضيقُ بأُفقها الكونُ الرحيبُ
ونفحتها اذا هبّتْ سَمومٌ *** يجفُّ بلفحها الغصنُ الرطيبُ
تهشُّ بوجهك الباكي رياءا *** وإنْ تبسمْ فبسمتُها قطوبُ
ولن تلقى بها خلّا وفيا *** تظنُّ الخيرَ فيه ولا يروبُ
تفيأْ في ظلالِ البيدِ واندبْ *** فؤادا من تحرّقه يذوبُ
قضى فينا الزمانُ بشرِّحكمٍ *** يلذُّ الوغدُ إنْ حُرِمَ النجيبُ
فحلوُ الروضِ للجهالِ مرعىً *** وقحطُ القفرِ يرعاهُ اللبيبُ
كأنَّ الدهرَ حربٌ للمعالي *** فلا يشقى به إلاّ الأديبُ
فيا وطني المفدّى ذاب شوقا *** وحنَّ إلى شواطئك الغريبُ
يناجيك الفؤادُ وقد تشظّى *** ورقَّتْ من تهرّئهِ الندوبُ
فقد لجَّ البعادُ وغاضَ صبري *** متى يلقى أحبَّتَهُ الحبيبُ؟
فكلُّ مسافرٍ سيؤوبُ يوما *** وروحي من تخوّفها تلوبُ
ولي أملٌ أُعلّل فيه نفسي *** بأنَّ غدا لناظره قريبُ
ويكفيني افتخارا ما أُلاقي *** وأنّي من محبّتِهِ أذوبُ
فيا وطنَ الجمالِ بلا مضاهٍ *** ويا نبع الثراء ولا نضوبُ
أرى الطغيانَ فوقكَ مسبطرّا *** وأنفُ الشعب مجتدعٌ خضيبُ
وتنهشك الذئابُ بلا كلالٍ *** وأنت مصفّدٌ دامٍ سليبُ
ألا لعنَ الإلهُ جناةَ قومٍ *** بما اجترحوا وما جنتِ الحروبُ
اذا الاشرارُ بالحكمِ استبدّتْ *** وهابتْ من جنايتها الشعوبُ
وطالَ سكوتُها جُبنا وحرصا *** ويغريها به أملٌ قريبُ
تلمُّ بها المصائبُ كلَّ حينٍ *** وتصرخُ تستغيثُ ولا مجيبُ
وصُبّتْ فوقها الالامُ وبلا *** وعمَّ الخطبُ...فالجاني الشعوبُ
فلولا الليلُ ما دجتِ السماءُ *** ولولا الصمتُ ما طمتِ الخطوبُ
رزاق عزيز مسلم الحسيني
التعليقات