الدكتور عبد الهادي الفرطوسي: أني غير راضٍ عن ما كتبت واحاول ان اعوض ما فاتني وما ضاع من عمري سدى.
ليس غريبا ان يتواجد كل هؤلاء المبدعون على هذه الارض المعطاء ..
وليس غريبا ان يولد فيها من يتنفس الشعر ووينسج الكلمات.. لانها مدينة اعتادت ان تنجب الرجال الكبار .. فكانت النجف وكانو رجالها ..
الدكتور عبد الهادي الفرطوسي رجل عرفته قبل اكثر من ربع قرن عندما كنت طالبا في المرحلة المتوسطة ،يعلمنا الكتابة واسس الجمال وطرق التاثير بالاخرين عندما كان استاذا لمادتي اللغةالعربية والادب.. كيف كان يتحين الفرص ليعلمنا كيفية مزج الالوان واقامة معارضا للفن التشكيلي او يختار منا مجموعة من الذين لديهم موهبة في التمثيل لتقديم احدى مسرحياته التي يكتبها ويخرجها لنا..
منذ تلك الايام عرفته استاذا نشيطا يؤمن بالحركة ولايعرف السكون ..مبدعا حصد العديد من الجوائز من بينها جائزة الشارقة في حقل الرواية، وجائزة نادي التراث الإماراتي في حقل القصيدة العمودية، وجائزة الملتقى الثقافي العراقي الأول في حقل النقد الأدبي..
حوار :فائق لبشمري
التقينا الفرطوسي وحاورناه متلمسين الجوانب الابداعية في تجربته الروائية :

الفرطوسي في سطور
ـ الدكتورعبد الهادي الفرطوسي شاعر وروائي وناقد.
ـ ولد في النجف الأشرف عام 1946، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها.
ـ حصل على شهادة البكلوريوس في مجال اللغة العربية عام 1969.
ـ نال الماجستير في عام 2000 ثم الدكتوراه عام2006 في النقد الأدبي.
ـ نشر بواكيره الشعرية عام 1965، وشارك في الكثير من المهرجانات الشعرية والمؤتمرات الأدبية .
ـ يشغل الان موقع رئيس اتحاد الادباء والكتاب في النجف منذ سقوط النظام والى اليوم، وهو رئيس تحرير مجلة بانقيا التي تصدر عن ذات الاتحاد.
ـ لديه عدة روايات منها:1ـ الرجل الآتي 2 ـ الأرض الجوفاء 3 ـ الزمن الحديدي 4ـ ضوع الكبريت 5ـ الكون السالب..
بماذا يحب الفرطوسي ان يقديم نفسه ؟
الحقيقة أنا أفضل أن يصفني الآخر ولا احب ان اصف نفسي، كتبت الرواية والشعر والنقد الادبي وامتهنت الصحافة مدة قصيرة من الزمن من خلال جريدة المدى وجريدة الجريدة أين يجدني القارئ؟ الأمر متروك لهم ، وانا اعتز بكل تجاربي الابداعية.
بعد هذا التأريخ الطويل من مسيرتك كيف كانت البداية مع الأدب والثقافة عموماً والقصة والرواية بالذات؟
البداية كأي فرد من أسرة نجفية دينية كان والدي شاعراً يكتب القصيدة باللغة الفصحى وباللهجة العامية وكان يريدني ان اكون شاعرا فكان يمنحني عشرة فلوس ثمناً لحفظ قصيدة من قصائد الشعر الجاهلي او شعر صدر الاسلام او حفظ نصوص من نهج البلاغة ومختارات من كتابات المنفلوطي ، ومع تقدمي بالعمر ودخولي المرحلة المتوسة كنت احفظ الكثير من الشعر السياسي لمعروف الرصافي واحمد شوقي وغيرهم، وتعرفت على كتاب الف ليلة وليلة ، وبعد انتقالي عام 1962 إلى الناصرية قرأت القصص و الرواية العربية المهمة وكان في مقدمتها روايات نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وقاصين سوريين وتعرفت على نماذج من الأدب العالمي، وكنت نهماً في قراءة القصص وتعرفت على الشعر الحديث للزيات والبياتي ونازك الملائكة، وقرأت قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة وهظمته وأتقنت العروض من خلال هذا الكتاب دون غيره ..
وحين أكملت مرحلة الإعدادية كانت حصيلتي لا بأس بها من القراءة، وكنت قد نشرت بحدود ثلاثة قصائد في الصحف المركزية لتمثل بداياتي الأولى، ثم انتقلت إلى الجامعة في البصرة، وبدأت بقراءة الأدب الحديث ، لادونيس ومحمد الماغوط، وانس الحاج ... ونخبة من الأدباء بالإضافة إلى قرآتي العالمية.
هكذا كانت تجربتي وكان اتجاهي مع الشعر دون غيره، فكتبت في بعض الأحيان قصيدة التفعيلة ولكنها كانت اختا للقصيدة العمودية ولم تكن بالمستوى الحديث وكنت احتاج إلى فترة من الزمن لأتحول نحو الحداثة ربما مع بداية السبعينيات كان تحولي نحو أدب الحداثة، الذين قرأوا قصائدي حتى القديمة منها وبالذات قصائد التفعيلة كانو يشيرون إلى وجود نفس درامي فيها ربما حفزني هذا الأمر إلى كتابة القصة و الرواية ، ولأبد ان أشير إلى أعمال كتبتها وأخفيتها لأنها لم تكن صالحة للنشر لأسباب سياسية منها (زمن الهبوط إلى القرار)، كذلك عام 1971 كتبت قصة أخرى عنوانها اغتيال فارس الدهلة ، و خلال حقبة طويلة تمتد إلى أكثر من عشرين عام كتبت مجموعة قصصية لا تزيد عن سبع قصص قصيرة كانت فيها إدانة واضحة للنظام بحيث لم استطيع نشرها، وفي عام 1988 كتبت أول رواية لي هي الكون السالب وصدرت عام 1989 او 1990، بعد ذلك ومن الطبيعي وبسبب هيمنة النظام الدكتاتوي وتهميشه للأدباء لم تحظ هذه الرواية بالنقد المناسب فلم أتحمس إلى كتابة الرواية حتى عام 2000 يوم فازت رواية اخرى لي بعنوان (الرجل الآتي) بجائزة الشارقة فكان هذا حافزاً لعودة للكتابة فالحقتها بثلاث روايات أخرى هي (ضوع الكبريت، الزمن الحديدي، الأرض الجوفاء) .
تنقلتم بين الشعر والرواية والقصة والنقد، لماذا هذا التنقل وهل يبحث الفرطوسي عن هوية؟
الحقيقة لست اول من تنقل في هذا المجال وانما اشير إلى ابي علاء المعري، واشير إلى الشريف الرضي، وأشير على المستوى العالمي إلى كولرج وايليوس، كما اشير إلى ويليام فولكنر، الذي كان بالإضافة إلى كونه روائياً، كان شاعراً مجيداً، فإذن لست الوحيد في هذا، أبحث عن فكرة او مسألة اوصلها إلى الآخر، أوصلها إلى المتلقي، كيف تصل؟ تحتاج إلى اداة، هذه الأداة احياناً تكون في الرواية، واحياناً تكون في الشعر، واحياناً تكون في النقد الأدبي.
إلى أي مدرسة ينتمي الفرطوسي في كتابة الرواية وبمن تأثر واختط طريق حروفه؟
التأثير لا متناهي ابتدأ بكتاب الف ليلة وليلة عندما كنت في المرحلة المتوسطة ثم اطلاعي على كتابات نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وقائمة من الأدباء المصريين ثم لحقتها من الأدب العالمي الكثير الكثير وبالأخص منشورات الهلال روايات الهلال وكتاب الهلال وأدب الخيال العلمي لبلير وكولن وروايات جان بول سارتر (الغثيان وغيرها) التي استفدت منها كثيرا فضلا عن اعمال دستوفسكي وتولستوي والادب الروسي عموما، ثم اطلعت على الاتجاه الحديث اتجاه اللاوعي بدءا من جميس جورج وفرجينيا ولز ويليم فولكنر...
وربما روايتي الأولى التي لم تنشر (زمن الهبوط إلى القرارة) كانت على نهج تيار الوعي الذي استخدمه وليم فولكنر في الصخب والعنف أي كانت من الناحية الفنية تحت تأثير وليم فولكنر، كما اطلعت على ادب امريكا اللاتينية وبالأخص ماركيس والآخرون وكان له التأثير الفاعل ايضاً وان كان بشكل غير مباشرعلى اعمالي الروائية ولكني أقول ان أدب الخيال العلمي قد استهواني كثيراً ووجدت فيه بغيتي،
وأنتميت إلى مدرسته في منهجي الروائي، نعم أنا بصدد أعداد رواية جديدة تنتمي إلى الميتافكشن.
هل رأى الفرطوسي يوما ان ما يكتبه غير مكتمل فنيا؟
أنا اجد في الآخر مرآة لي، الآخر هو القارئ المتلقي، وهو الذي يجيب على السؤال ويقول ان هذا الأدب مكتمل او غيرمكتمل، الاكمتال امر لا متناهي ونسبي ربما ما نكتبه اليوم نراه جديداً ولكن بعد عام واحد سيكون قديما وسيظهر جديد اخر لذلك اقول ان روايتي التي لم تنشر (زمن الهبوط إلى القرارة) هي الآن لو صدرت لكانت قديمة جداً تنتمي إلى الأدب السبعيني أو إلى الرواية السبعينية الصرف.
كيف تستقبلون مايمارسه النقاد من نقد لاعمالكم الروائية؟
استقبله برحابة صدر حينما يكون نقداً حقيقياً، النقد الحقيقي اليوم علم متكامل كبقية العلوم، لذلك لا يكتب الناقد مادة مالم يكن النص مؤهلاً لأن ينقد، يعني إذا لم يتحدث عنه الناقد فهو نص هابط ولا يستحق أن يذكر ولكن إذا كتب عنه الناقد نقداً علمياً معنى هذا، هو شهادة اعتراف بهذا النص مهما كانت طبيعته، كما أود أن اشير إلى أن النقد لم يعد مدحاً وقدحاً أبداً.. النقد هو وصف أكثر منه مدح وقدح عملية فنية صرفة فأستقبل كل نقد عني برحابة صدر.
كنتم في جوف الأرض في روايتك الأرض الجوفاء ثم تنقلت على سطح الأرض في الكون السالب وهربت من مقطورة نحو جزيرة ام النمور النائية في رواية الرجل الآتي وسافرت في الفضاء في ضوع الكبريت؟ لماذا هذا القلق والتنقل؟ وما هي فلسفة الفرطوسي في المكان؟
لنتذكر ان كل هذه الأعمال كتبت بين عام 1990 وعام 1998 إي في عهد الدكتاتورية، لذلك الفضاء أو المكان هو كله صورة للفضاء العراقي ، بعد السقوط، كثير من الدراسات التي درست هذه الروايات أشارت إلى هذا المكان واخص بالذكر اطروحة للدكتوراة نشرت عن كلية التربية للبنات في جامعة بغداد وتناولت الدلالة الرمزية او سلطة القمع في هذه الأعمال وكذلك اشير إلى ما تناولته الدكتورة فاطمة بدر في هذا الخصوص واشير إلى ما كتبه الاستاذ عبد العزيز ابراهيم حول رواية الرجل الآتي بهذا الصدد ايضا وما كتبته الدكتورة لمى عبد القادر عن رواية ضوع الكبريت، وكلها تجمع على أن المكان في هذه الروايات، هو العراق في عهد الدكتاتورية، لنتذكر رواية (الأرض الجوفاء) التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية عام 2003 قبيل سقوط النظام والتي تتحدث عن عالم في جوف الأرض يحتوي سجون وادوات تعذيب للانسان، وحين تتاح الفرصة للهروب إلى سطح الأرض يفاجأ ان الامر لايختلف كثيرا، اذن الرواية تتحدث عن حصار داخل حصار، حصار تفرضه مخلوقات او كائنات في الفضاء الخارجي يفرضونه على الكرة الأرضية وحصار داخلي تفرضه المخلوقات القائمة الحاكمة في جوف الأرض على المحكومين من اهالي جوف الأرض فأذن هناك حصار خارجي وحصار داخلي، الذين درسوا الرواية كان من السهل عليهم ان يكتشفوا الحصار لدولي الذي فرض على العراق في التسعينيات والحصار الذي فرضه النظام القمعي على الشعب العراقي.
اما الحديث عن ماهو خارج عن جوف الأرض في (الكون السالب) التي كتبت 1979 لم تصدر الا عام 1989 أو 1990 على وجه الدقة لم يكن هناك طاغية فرد هناك جماعة من المخلوقات اسميتهم (السعليون) يمارسون عمليات اضطهاد بشع للبشر للإنسانية اذن لم يكن هناك دكتاتور فرد أو طاغية كان هناك طاغية جماعي لماذا جماعي؟ الروايات الأربعة اللاحقة كان هناك طاغية فرد في (الرجل الآتي) كان هناك مخلوق ولد من الإنسانية امه وابوه بشر وهو مخلوق آخر سميته (الكائن الصنوبري) مخلوق غريب بشع ه قدرات خارقة منها انه يسيطرعلى عدد هائل من الفئران الصغير هذه الفئران يسلطها على أي جهة يريد فتلتهم كل شيء وتلتهم الناس ثم هو وذريته يأكلون هذه الفئران، وصورة الطاغية واضحة في هذا المجال.
كما كان هناك طاغية من نوع آخر في رواية (الزمن الحديدي) وهو كومبيوتر عظيم يتحكم بالبشرية كلها وتمتثل لأوامره،اما في رواية (ضوع الكبريت) فكان الطاغية هو (عقل المجرة) الذي هو عبارة عن كوكب او ما يشبه الكوكب يتحكم في مجرتنا هذه ويسيرها بمشيئته وبإرادته، وفي رواية (الأرض الجوفاء) يتمثل الطاغية بصور وتماثيل أنليل العظيم المنتشرة في في جوف الأرض وأينما تذهب، وأنليل هو اله الهواء الجبارعند السومريين القدامى وكانت صورة انليل وتمثاله وإسمه هو من يحكم هؤلاء في جوف الارض .
إذن ما اريد ان أشير له انه في الروايات الأربعة اللاحقة لرواية ( الكون السالب)التي كتبت في الـ 1979 وصدرت في التسعينيات كان هناك طاغية جماعي لماذا؟ لانها كتبت في زمن هيمنة حزب البعث وليس هيمنة الفرد، حزب بأكمله يحكم العراق ..
اما ما بعد 1982 كانت هناك نظرية القائد الضرورة، الحاكم المطلق والضرورة التي اطلقت على صدام حسين وهذه الصورة هيمنت على رواياتي الباقية اي مسألة الطاغية المفرد.. هكذا يمكن أن ترى الأمور.
لماذا هذا القلق والسوداوية في طرحك، نراك في اعمالك الروائية تتنقل ساعة في جوف الأرض ومرة على سطح الأرض واخرى تهرب نحو الفضاء؟
في الحقيقة احد الأسباب تقني، والسبب آخر هو الابتعاد عن سلطة القمع فلايمكن لي ان ادين النظام السياسي بصراحة، ولابد ان يكون هناك اخفاء فلا يمكن لي ان اتحدث عن العراق بشكل صريح واتحدث عن مايعانيه من ظلم وقمع ، فكان حديثي بشكل رمزي عن عوالم اخرى وعن فضاءات بعيدة عن العراق وكأني اقول لا اعنيك ايتها الحكومة هذا من جانب.. من جانب آخر تعلمون ان عهد الدكتاتورية هو عهد خطر جداً ومخيف جداً وفي أي لحظة يمكن للإنسان ان يذهب إلى الموت وتتلقفه العناصر الامنية ويذهب إلى التعذيب..
لذلك تجد القلق وانت تعيش في العراق سيكون مشروعا..
وهذا القلق انا لم اقصده في الرواية وانما انت اكتشفته اكتشافا من خلال قراءتك لأنه تعبير عن ذاتية في تلك المرحلة ولا يمكنني ان اكون مطمئناً مع كل تلك الاجواء.
هل يمكن لأدب الخيال العلمي ان يعبّر بصدق وبقوة عن الواقع؟ كذلك نرى ان النجف غابت عن اعمالك الروائية ؟
اعتقد ان الكثير من المتتبعين وجد في رواياتي الخمس تعبيرا عن الواقع ، نعم كنت بعيدا عن المباشرة وكانت مدرسة الخيال العلمي هي التي تهيمن عليّ، لاني وجدت فيه منفذاً لأقول وجهة نظري دون ان اتعرض الى ردة فعل عنيفة من قبل السلطة الحاكمة، اما بخصوص النجف فاني لم استطع تصوير اجوائها لنفس السبب ، ولكن لي قصة عنوانها (هواجس طيبة رصينة) فيها بعض أجواء النجف كتصويري لمقام أو مزار كبير وفيه صحن وفيه باب المراد واجواء تشبه اجواء النجف.
في الارض الجوفاء كما في بقية رواياتك، نجد الصراع واضحاً بين العلم والميثوالوجيا، فقد ذكرت الطنطل والجن والسعالي والبخور والمستكي والجاوي، ونرى في نفس الوقت، الفضاء وسرعة الضوء والحجم والكتلة والزمن السالب وقوانين الكون ..
كيف يبني الفرطوسي عمله الروائي ويسيطر على الزمن، خصوصاً انه في بعض الأحيان ينتقل أسرع من الضوء ؟
كما اسلفت ان رواياتي الخمس كلها تنتمي إلى أدب الخيال العلمي، والخيال العلمي يسخر العلم والنظريات العلمية لصالحه ويوظفها توظيفاً أدبياً.
كما تعلم العلم نقيض للخيال، فهنا الرواية هي أصلاً أدبٌ خيالي، قلنا خيال علمي، والسؤال: كيف تكون علميين، ونكون خياليين في آن واحد؟
ظاهر الأمر هذا تناقض، فإذن حل التناقض بتكييف القوانين العلمية لا يهام القارئ بأن ما يحصل حقيقة، هذا الأمر ينطبق ليس فقط على مستوى الفيزياء والزمان والسرعة وغير ذلك في مستوى الهندسة الوراثية ستجده واضحاً في راواية (لرجل الآتي) وتوظيف الهندسة الوراثية وفعالياتها بحيث يظهر مخلوق غريب يملك أشياءً متطورة وخارقة للطبيعة.
استفدنا في هذا المجال من موضوع الغدد وفي مقدمتها الغدّة الصنوبرية وفعاليتها الخارقة وما قال عنها العلماء في خلق هذه الرواية وتحويل الجوانب العلمية إلى جوانب خيالية.
نرى المؤلف يتملكه خوف مجهول، حيث تحدثنا قبل قليل عن قلق المؤلف، لكن هنا نجد خوف من المجهول، ربما هذا الخوف اكبر من كون المؤلف يخاف من الحاكم الظالم او السلطة الدكتاتورية السابقة، فلماذا هذا الخوف الذي يتملك الفرطوسي؟
هي ظاهرة فرضت نفسها عليّ حين كتبت هذه الروايات، بعد سقوط النظام اطّلعنا (سائر الأدباء والمفكرين العراقيين) على نتاج لم يصلهم في عهد النظام، روايات كثيرة، اما عراقيين كتبوها في الخارج، وأما عرب وغير ذلك حتى عالميين الظاهرة المشتركة هي التي نجدها في الروايات التسعينية وما بعدها هي الظاهرة السوداوية، لم يعد هنالك بصيصٌ من الأمل.. كل الروايات والأعمال تقريباً التي ظهرت في التسعينيات تشترك في أنها تنتهي نهاية مأساوية لهذه النهاية المأساوية فيما يخصنا في العراق، الجانب المحلي هو سلطة القمع وديمومتها الطويلة، لنتذكر في الواقع المعيش، انه حين قام انقلاب 17 تموز، قلنا أنه لن يدور عليه عام كامل، وتوقفنا عن النشر في الصحف والجرائد، كنت قبل ذلك انشر، لماذا؟ لانهم سينتهون في اقل من عام، وحينما دارت السنة على هذا النظام الكثير من الناس استغربوا انقضاء عام كامل... ومرّ آخر ... ومرّت عشر سنوات ومرّت عشرون سنة وقامت الانتفاضة، وسقطت عدد كبير من المحافظات وإذا فجاءة يعود النظام وكأنها تقول ان النظام لن يموت وانه خالدٌ إلى الأبد.
ومن خصائص الأدب الحديث الانفتاح الدلالي، فالرواية لا تقف على دلالة واحدة وإنما تتعدد دلالاتها ورؤاها لمختلف الاوضاع والامور المحيطة بالكاتب وتسبب قلقه وخوفه، كهيمنة النظام العالمي الجديد على المجتمع من خلال سيطرة العولمة بمقدراته، ليصاب المثقف بخيبة أمل كبيرة ويتجه لهذه الحالة السوداوية وانعدام الامل، هذا هو السبب في ذلك الخوف الذي تصفه.
هل يكره الفرطوسي الواقع، حيث نقتبس هنا مقطع من رواية (الكون السالب): إني اكرهكم واكره الآدميين جميعاً، إنهم ابشع من السعليين) لماذا هذه الكراهية عند الفرطوسي ؟
قلت ان هذه الرواية كتبت عام 1979، قبل الحرب العراقية الإيرانية لنتذكر الواقع المعيش (ربما لا تتذكره أنت ولكن كبار السن يتذكرونه جيداً) كيف ان الالتفاف حول الانسان كان كبيرا وقائماً وبطريقة قذرة..خصوصا ما يسمى بـ ( رفع التقرير) او كتابة التقارير كانت سهلة لنتذكر ان النظام حين جاء، جاء باصابع قليلة، انقلاب عسكري سريع، لم يكن له أي جماهير.. لكنه اشترى الذمم، وبشراءه الذمم صارت له قاعدة لا يستهان بها، هذه القاعدة ترفع التقارير وتمارس أبشع العمليات تحت هذا التأثير كان هذا الكلام (إنني اكره البشر جميعاً... إنهم أبشع من السعليين) .
يظهر في رواية (ضوع الكبريت) تناص بين قصة آدم وحواء وقصة صلصال ولمياء... يتجلى ملامح ذلك التناص من خلال الأحداث وأسماء الشخصيات وصفاتها... ترشد القارئ إلى القصة القديمة بين آدم وحواء والشيطان الذي يظهر ككائن شبيه بالطاووس الذي خدع لمياء وقال لها لماضيه الخبيثة، ودعاها إلى ارتكاب المحرم.. إشارة إلى القصة التي اخرجت أدم من الجنة.. وبقى يلازمها للأبد، ودليل وجوده داخله هو ذلك الريش الذي كسى جسدها ورائحة الكبريت الذي تضوع من مسامه ..
إلا يكشف هذا عن مدى هيمنة الفكر الذكوري، والنظرة العدوانية للمرأة على أنها أساس المشاكل؟
لابد من العودة إلى دراسة مطوّلة كتبتها الدكتورة لمى عبد القادر حول هذه الرواية.. فالرواية تفسّر في تفسرين؛ الأول: هو هيمنة الفكر الذكوري كما تقوله، والتفسير الثاني: هو هيمنة العولمة والتحكم بالبشرية.
إشارة إلى هذا الوجود، حينما تقرأ الدراسة بالتفصيل ستجد هذه التفصيلات.
ربما وإحياناً، وان كان المفروض العقل هو الذي يهيمن على الرواية، الرواية كتبت تحت تأثير انفعالي للمؤلف، فكانت هذه النزعة ضد المرأة، ولكن تتضمن تفسيراً آخراً يشير إلى عالم العولمة وهيمنة النظام العالمي الجديد على المجتمع.
الآن وبعد المشوار الطويل في عالم الكتابة، هل انت راضٍ عن ما كتبته؟
لا شك أني غير راضٍ عن ما كتبت، واعترف اني بدأت النشر عام 1965، وتوقفت عنه عام 1968، وعدت إليه عام 1990، هنالك فترة مظلمة في حياتي بين 1968 وبين 1990، هذه الفترة انا غير راضٍ عنها ربما، كانت ذروة القهر والاضطهاد من جانب، وهذا ليس عذراً، وربما كان لهو الشباب سبب آخر، بينما أقول تلك المرحلة هي مرحلة العطاء الحقيقي، فأنا رغم أن كتبي الآن بلغت أحد عشر كتاباً، ولكني غير راضٍ، عن ما قدّمت، لذلك اسعى، وقد بلغت الثانية والستين من العمر، اسعى سعي شاب في العشرين لأجل ان احقق او اعوض ما فاتني وما ضاع من عمري سدى.
فائق الشمري
التعليقات
الاسم: |
جودة علي |
التاريخ: |
2012-03-18 10:47:48 |
|
بالمناسبة الدكتور الفرطوسي هو من مواليد سوق الشيوخ وليس النجف ويبد ان هنا خطأوقع فيه الاخ الشمري |
|
|
كل الحب والاكبار الى الزميل فائق الشمري وشكرا لك على هذا الاطراء بحق الاستاذ عبد الهادي رئيس اتحاد الادباء اتمنى لك التالق والنجاح |
|
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية للدكتور الفرطوسي.. والاخ المحاور الشمري..
|
|
الاسم: |
مجتبى الفرطوسي |
التاريخ: |
2009-05-20 07:15:43 |
|
انت اكثر واحد احببته مع التحيات الخاصه من جميع الفراطسه |
|
|
ارى ان تكتسب الاصدقاء اكثر من الهروب الى السراب
تحياتي لابداعك |
|
|
حياتي لك يادكتور عبد الهادي |
|