إلى متى يأمن المسيء؟
في ظل المناخ الديمقراطي وإطلاق الحريات العامة تواجه المجتمعات التي في طور تأسيس وبناء هذه التجربة الإنسانية لنظامها السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي تحديات هائلة، فيما يخص بناء منظومتها الأخلاقية والقيمية التي من شأنها إيجاد حالة من التوازن بين محمولات الديمقراطية و واقع السلوك في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية وسائر الأصعدة الأخرى، والحقيقة أنه ليس من الهين التوصل في فترة زمنية قصيرة إلى بناء أخلاقي يحكم تفاصيل الحياة بأبعادها المختلفة، ويزداد هذا التحدي عندما تتحكم الموروثات من مراحل سابقة مضافا إلى ما يفرزه الصراع السياسي بمجمل سلوكيات الجماعات والأفراد، لنجد أنفسنا أمام واقع من الفوضى والتردي الأخلاقي، وانقلاب المعايير رأسا على عقب،
فيشيع استخدام الوسائل بأردأ صورها وأكثرها انحطاطا لتحقيق الأغراض الشخصية و السياسية، ومن تلك الوسائل التي شاعت للأسف خلال السنوات الماضية التشهير بالشخصيات العامة و فبركة الأكاذيب حولها، و رمي الناس بالفرية والتهمة التي يحاسب عليها القانون والشرع والضمير، من دون أدلة واضحة وحقيقية، و يبدو أن ثمة أناسا باتت وظيفتهم الوحيدة فبركة الصورة ومقاطع الفيديو والمستندات عبر استخدام تقنيات الحاسوب وبرامجه المتاحة وعرضها على الملأ، كمادة دسمة في سياق تشهيري فضائحي بعيدا عن كوابح الضمير والأخلاق والقيم والأعراف.. والمشكلة أن العديد من القراء يصدقونها سواء لطيبتهم المفرطة أو لسذاجتهم، أو حتى لكونها تناغم أهواءهم وتوجهاتهم. وفي هذا السياق يأتي ما روّج له بعض المتصيدين في المياه العكرة من تسجيل مفبرك بحق شخصية إعلامية وطنية مشهود لها بالنبل والكفاءة والالتزام، متمثلة بالأخ الأستاذ نقيب الصحفيين مؤيد اللامي، ولسنا هنا في معرض الدفاع عن الأستاذ اللامي، فلا تحتاج الشمس إلى من ينسج لها خيوطها، ولا من يدل على ضوئها، بل ما يعنينا هنا هو سياق عام وحالة يبدو أنها استشرت إلى حد يتوجب فيه البحث عن علاج مناسب،
والملاحظ أن الدوافع والأسباب تتعلق أساسا بخلفيات سياسية وطائفية مقيتة، لقد تعرضت خلال السنوات الماضية منذ 2003 عديد الشخصيات إلى التشهير والإساءة على مواقع الشبكة العنكبوتية ولم يثبت شيء مما رُوّج له بحقهم، ومع هذا مرت تلك الإساءات دون متابعة ولا عقوبة بحق مقترفيها، علما أن التشهير جريمة مدانة طبقا لكل قوانين الأنظمة الديمقراطية في العالم، فثمة فرق بين النقد واطلاع الجمهور على الحقائق التي يجب أن يعرفها كحق ثابت من حقوقه وبين التشهير والاتهامات التي لا تملك أية أسس على أرض الواقع. نتمنى من الجهات المعنية متابعة مثل هذه الحالات التي أخذت تتكاثر،
فلا يمر بالكاد يوم حتى نجد فبركة تافهة بحق شخصية معينة، وتشويه لسمعتها من دون دليل ملموس على ادعاء من يدعي بها. ومؤكد أن حادثة الفيديو المفبرك بحق الأستاذ نقيب الصحفيين لن تكون الأخيرة في مسلسل يعبر عن ما وصله البعض من دناءة واستخفاف واستهتار بكل القيم والمعايير، ولا شك أن من أمن العقوبة أساء الأدب..
فإلى متى يأمن هؤلاء؟!
حيدر يعقوب الطائي
التعليقات