خالد الخزرجي بين النص المترابط و أفق اللا ترابط
( الفضاء النصي و وسائط مسرحة الخطاب )
عندما يقرأ النص الشعري ، ليس من الضروري التعرف على مبادىء و وسائط النظريات فيه و خلفياتها المنهجية و القولية و التفكيكية و البنائية ، أنما وجه الضرورة فيه تقتضي فهم و استيعاب و تأويل أمكانيات التحقق السيميائية و المدلولية و المؤشرية و المقصدية و الاظهارية و التداولية و الدلالية المتوفرة في ثنايا و طيات و وظائف و تمفصلات شروعات ذلك الخطاب النصي .. كذلك من جهة أولى ليس من الضروري حتما أن يفهم أو يتعرف القارىء على دينامية النص و مساراته الايقونية ، بقدر ما تقتضي الحاجة الماسة الى التعرف على موجهات ( ذات / موضوع / كيفية / كينونة / نص / مدار / غرض / انتاج ) و بهذا التحقق الموضعي ، يمكننا فهم و قراءة القصيدة بشكل عام و خاص ، و على نحو متواز مع اشتغالية منظومة ( زمان / فضاء / موقعية / تضاد / تفاعل / سيمياء / دال / غيرية ) . و تبعا لهذه العاملية البنائية و الخطاطية و فضاءاتها المدارية و السياقية و الشفروية ، سوف نحاول معاينة و قراءة تجليات قصيدة
( قادم وطني أليكم ) للشاعر خالد الخزرجي ، لنستدل منها و من خلالها ، على سيميائية التظهير و نمطية التنضيد و قراءة المغايرات و الائتلافات النصية و الخطابية ، و بموجب أفق علاقات الاعراض الشكلية المكرسة في محاور الحالة الصورية الكامنة في موضوعة القصيدة . و قبل الدخول في مباحث تمفصلات دراسة مقالنا ، لابد لنا من هذا القول الموجز بحق تأريخ شعرية و شعر عوالم خالد الخزرجي : يمكن ان يقال دائما بأن شعرية الخزرجي ، مبنية مطلقا على ثلاثة مراحل متكاملة و مدرجة : أولها ، تقديم بعض من معاينات الصورة الشعرية الانزياحية داخل نواة خطاب انقطاعي المحاكات و الاستنطاقية المنضدة بموجب فضاء كتابي راسخ و نسقي في تموجات ارساليات الموضوعة الشعرية المخصوصة قصدا و مدلولا : ثانيها ، فرز خصائص الخطاب الشعري داخل حلقات انغلاقية من الامكانيات النصية المستندة على لغة تقطيعية مستغلقة المتضاد و المتداخل الصوتي و القولي و الصوري : ثالثها ، استثمار مفاهيم و دلالات محلية و وضع قواعد خطابية للأشياء و وصفية لفضاء بياضات الصفر من زمن الدلالة التمظهرية من لغة و منطوق هيئة الاشياء و حالاتها المتحولة مضمونيا . و بهذا الشكل المحوري و البنائي يكون فعل التلقي و القراءة لقصيدة هذا الشاعر ، متآت بموجب رسم هذه الخطاطة العاملية ( التجاوز / الانغلاق / القفز / المراحل ) . و واضح من كل هذا بأن فضاء الذائقة المتلقية لقصيدة هذا الشاعر ،تبدو قادمة على أساس مقومات و ملاصقات شفروية خاصة و متنوعة ، حيث تجعلنا و نحن نقرأها ، ميالين الى حالة شعورية خاصة بخلجات سرية من المراجعة و التفصيلية لتقانات هذه النصية المشار أليها تطبيقيا و نظريا و كيانيا .
( نص القصيدة )
قادم وطني من وراء
حجاب
من غيابات عصر جديد
يحمل الحب للشعب في
عرسه
و الزمان السعيد
يحتفي الماء ،
و العشب كل ملائكة الله
تفرش أجنحة الضوء
للملأ المشرئب .
ان العالم الخطابي الذي يحاول ان يسعى أليه الخز رجي ، يتجلى بحدود ملفوظات محدودة من قيمة رسم دلالات الاشياء و الحالات الانزياحية الكامنة في فضاء الدال المقصدي في النص ، فمثلا تواجهنا جملة الاستهلال بهذا المفتتح الصوري : ( قادم وطني من وراء حجاب ) فهذة الجملة التوصيفية ، قد جاءتنا منشطرة العلامة و على مستوى خطة اعلامية موزعة على فعل تماثلات شكلية التواصل الدلالي مع ديناميت ندائية شبه متكافئة الصيرورة المشهدية إزاء أفعال و دوال المقطعية الاولى في عتبة القصيدة . أن ما هو واضح من جملة البدء هذه ( قادم / وطني ) هو ما سوف نسميه حدوثا قوليا لحالة مسكونة بالوصف و لكن بلا لفظة فعل ما ( حجاب / ما وراء) لذا نرى آليات التفعيل القولي الراهن في هذه المقطعية ، ما سوف يسعى بنا الى تجليات دلالات ساكنة و هادئة من أواصر زمن تواصلي يفتقر لحالة الشد المضموني الجاد
( من غيابات عصر جديد / يحمل الحب للشعب في عرسه ) و في حدود هذه المناصات و المعاينات الجديدة في النص ، صرنا إزاء احتماليات الدليل في خيوط المقطعية الأولى من القصيدة ، لتبرهن لنا الحالة الدلالية فيما بعد على ان هناك مرجعية خاصة من وراء قصدية ( غيابات / عصر جديد ) و بهذا الامر نعاين أفعال علاقة لفظة دال ( حجاب ) و دال
( ما وراء ) لنستدرك بأن التوزيعية المحتملة في القصيدة ، باتت عائدة و مرجحة لمشهدية موصوف ( في عرسه ) و بهذا الشأن صار لدينا احتمالا توفيقيا إزاء تصورات أفق توقع دال الانشطار النسقي ( حجاب + ماوراء = عرسه = الشعب = عصر جديد ) ان فاعلية مقطعيات قصيدة الخز رجي تلك ، باتت تذهب بالاشياء و الحالات الكيانية ، الى محور منطقة
( الغياب / الماوراء / التوهيمات[t1] ) لأجل أتمام عملية انجاز الافعال و الايحاء بها في مرآة دهشة الانفعال في التفسير و التأويل ، و محاولة التقاط تجاوبات احتمالية الترشح و الانتخاب الدلالي في صور و صوت الاشياء و المسميات .
( فرضية القراءة و شعرية المركز )
في قصيدة ( قادم وطني أليكم ) يبدأ السارد الشعري ، بعملية حث توصيفية الحالات التصورية الى حد وصول الامر الى استنطاق فعالية القراءة و التعرف نحو مكنز الذاكرة الاستفهامية المحملة بجذور فضاء سيميائية شعرية المركز العنواني الكامن في مرابض حساسية النوع الوصفي و في حساسية القول الدلالي الأول .
لم يقف طفل هذا البلد
سارقا خبز عيش ذليلا
كسيرا يخاف العدد
لم ير الناس تلك الحروب
لم يروا طائرات
تمر على حقل لوز
و تحرق أغصانه .
نقرأ في تشكيلات هذه المقاطع ، ثمة وجود استجابة لمركزية دال الموصوف الأول من زمن مساحة بوح دلالة القصيدة ، أي بمعنى ما علاقة مكانية الأولي في النص بما هو لاحق في فتوحات جسد مساحة الدلالات المتنية في صوت النص ، و على هذا الامر يمكننا الآن جمع الحالات القولية و الوصفية ، على نحو مفهومية هذه الترسيمة (غيابات + عرسه + حجاب + يخاف + حقل لوز + تحرق أغصانه = حروب = قادم وطني أليكم ) هنا فقط سوف نتساءل بعد أتمام زمن ترسيمة أقوال و أفعال و دلالات كيفيات النص البرهانية : هل ان جملة الدليل الاظهاري في قصيدة الخز رجي ما هي ألا مؤولات لذوات النسبية الادراكية الهامشية من زمن مجموع الحدود القصوى التقديرية العائدة لدليل الانتاج المركزي في القصيدة ؟ ذلك لأننا وجدنا هناك بعض من الحالات الشعرية في النص قد حلت بروح التقدير و الرأي الشخصي الاحادي المنصب بروح التعرفية المبتورة من سياق المحورية الدلالية في النص . أي بمعنى ما كنا نتمنى القصيدة بهذا الشكل المبتسر ، لو كانت أفعال و مجازات القصيدة موسعة في الدليل و عضوية نمو الاجزاء الكلية في القول و الاستعارة ، ان القصيدة في بعض حالاتها النصية و التوصيفية ، باتت كأنها خيارات علاقات مؤجلة الافصاح و التعمق في التفعيل الناظم ما بين مساحة البداية و مساحة الوسط و مساحة النهاية التشكيلية . لعل في قصيدة الشاعر ثمة تشخيصات ناقصة يعوزها الى حد بعيد الارتكازية الدلالية الحقيقية على مستوى مشخصات مظهرية أكثر وجودا و كمالا مما قد قالته القصيدة من صور و حالات و تواصيف منقطعة السياق و مصدرية المشهدية الفاعلة في الأثر و المؤثر الموضوعي . و هكذا فأن جميع المزاوجات و المناصات في نص الخز رجي ، ظلت يعوزها الدليل و الاحساس الحق بما يتحدث عنه الشاعر في أجواء قصيدته .
( العنوان / النص / مدار الدليل )
بعد التحديد الاولي لسياقات الدينامية للأدلة الجزئية و الكلية في سيرورات مقولات و أوصاف القصيدة ، صار الآن علينا اظهار مواكبات انتاج الادلة المحورية و الدلالية و البنائية ، خصوصا تلك التي تتعلق بموضوعة المؤول السنني الذي وضعه الشاعر في أفعال و أقوال رابطية النص نفسه ، و على مدى مصدري يحدد وجوديا زمن الظرف النصي نفسه .
سوف نوقد
فانوس أحلامهن ونحرس
أعشاش أطيارنا
لتحلق فوق البعيد البعيد
نوارسنا
سوف نجعل
كل البحار
لهن سفائن مشرعة
لتطير أليها
و تأمن فيها .
لعل القارىء لقصيدة الخز رجي ، يعاين مدى الاختلافية التوجهاتية في زمن دلالات القصيدة ، فهو مرة يصف الوطن على أساس من أنه عبارة عن ( غيابات ) و مرة يصفه على أنه ( سفائن مشرعة ) و مرة ( يشبع طاغوتها ) و مرة أخرى
( وحشيش و خمر ) و مرة ( كسيرا يخاف العدد ) و مرة
( و انتحرت في حدائقنا ) و مرة ( سنجعل ارضنا مرتعا للحمام ) و مرة ( سوف يولد طفل بلا عاهة ) . في الواقع انا شخصيا لا اعرف بالضبط ما هي حكاية هذه القصيدة ، و حكاية دلالات ما يصبو أليه الخز رجي من كل هذه المتنافرات و الازدواجيات القولية في خطاب النص : هل معنى هذا ان خالد الخز رجي بات يتجاوز موقعيات الدليل المحدد لدليل مركز صوت النص و دلالة النص ؟ أم لعله يؤشر في هذا النص على مؤول خاص كامن في ذهنية الشاعر وحده ؟ أم أنه من جهة ما كان يحاول وصف الأشياء من باب مدارات معارضة لوقائعية الدليل المحاور ؟ . و في الختام لا يسعني سوى هذا القول الأخير حول قصيدة
( قادم وطني أليكم ) : ان المرحلية التي وصفت بها القصيدة أوضاع و حالات الوطن والفرد العراقي ، قد جاءت للقراءة عبارة عن وصوفيات انطباعية ، انطلقت من تحت سقف تساؤلات هشة من زمن اللا مكان و اللا زمان و اللا برهانية ، بل انها قد جاءت على وجه غير محصن ، تملأه الفرضيات المشوشة بحسية الارشيفية القابعة في أحضان ذاكرة الشاعر وحده ، كما ان اشكال دينامية الدلائل الشعرية ، قد ساروتها صدوريات و انطلاقات تؤشر على ان الشاعر لم يعايش كل اوضاع و تواريخ تحولات الوطن و لا من جهة حيوات الفرد العراقي بشكل حقيقي و راسخ في الحسية و الامعان الواقعي و ذلك لأن كل ما قد جاء في خطاب دلالات النص ، راح يعكس حقائق و افعال و مؤولات تعرفية و تحيينية ، ليس هي في حينها بالضبط و لا في زمانها و لا في ظرفها . أتمنى من كل شغاف قلبي عندما يكتب كل شاعر قصيدة عن الاوطان ، ان يكون أولا ناقلا أمينا ، و أن يكون ثانيا ملازما دؤوبا لأحضان وطنه ، لا ان يكتب القصيدة و هو جالس في دمشق أو في باريس أو في القاهرة أو في أي مدينة عربية أو مشرب ليلي ، خوفا مما يجري في شوارع بغداد ، حيث الرصاص و شظايا المفخخات . و تبعا لهذا فأن قصيدة الخزرجي مع الأسف قد جاءتنا كأنها صوت مترابط لنص بلا ترابط حقيقي و بلا ارتباط حقيقي ، و لكنه في الحقيقة حافظ على تمسرحاته الخطابية المتبدية من رؤى اللا تنفيذ و اللاأمضاء و السؤال المجتر من حاضنات الاقنعة و اللا حقيقة المرئية حاضرا و مستقبلا . و الى جانب كلامنا هذا أضيف بالقول : مع الأسف الشديد ان الشاعر الخز رجي لم يقدم الدوال و الدلالات في نصية قصيدته بشكل تتابعي و موحد ، بل أنه راح يقدم الحالات التصورية في القصيدة ، من باب خطابات بلا ترابط دلالي و مدلولي ، بل أنه راح يقدم فرضيات الانتاج الصوري في النص ، على عتبات محاور و عناصر شديدة الابعاد ، ولكنها في الوقت نفسه ، فقدت أهم مقوماتها و سماتها التداولية في الخطية المقصدية ، بل أنه بهذا النص تحديدا ، لم يحقق سوى جانب تقريري مباشر من لعبة الاصوات اللحظوية المنصبة في مجرى هلامية المحكي اللا مترابط .
حيدر عبد الرضا
التعليقات