الديمقراطية في العراق بين الدستور والعرف السياسي
في عام 2003 خرج العراق من اعتى الدكتاتوريات التي شهدها العالم في القرن العشرين وقد استبشرنا كعراقيين الخير بمستقبل واعد مع اقرار الدستور الاتحادي الذي اكد على الديمقراطية كمنهج حياة وتداول سلمي للسلطة من خلال اختيار الشعب لمن يمثله في الحكم وقد شكلت مؤسسة مستقلة لإدارة الانتخابات والتي هي الوسيلة الديمقراطية التي تتيح للشعب ان يختار ممثليه من خلال الاقتراع السري المباشر وقد رأينا الاقبال منقطع النظير على الانتخابات رغم الظروف الامنية الصعبة التي كان يعيشها العراق في عام 2005 لكن الامل في التغيير وقطع الطريق امام الدكتاتورية من العودة للعراق هو ما دفع العراقيين للذهاب الى صناديق الاقتراع .
لكن سرعان ما اخذ هذا الامل بالاضمحلال فبالرغم من وجود انتخابات حرة ونزيهة من خلال المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بيد ان هذه الانتخابات مهما كانت نتائجها معبرة عن رأي الشعب اذا لم تجد ارادة حقيقية من قبل السلطات المسئولة على تطبيقها تبقى قاصرة وغير ملبية للطموح لا بل مخيبة لآمال الشعب وهذا ما حصل في العراق حيث ابتكرت المكونات السياسية في البلد ومن اجل الحصول على المكاسب الحزبية والفئوية من خلال الاشتراك بالسلطتين التشريعية والتنفيذية المحاصصة وتوافقية المناصب في الرئاسات الثلاث حيث اصبح هذا الامر عرفا سياسيا كما هو حال لبنان التي ومن عشرات السنين لم تستقر امورها .
ان العرف السياسي الذي إجترحهُ السياسيين والذي لم يقره الدستور ولم يرضى عليه الشعب قد افقد الديمقراطية اهميتها في اعين الشعب وأصابه بالإحباط وهذا ما رأيناه من عزوف تدريجي عن الانتخابات رغم التسهيلات الكبيرة التي توفرها المفوضية وهذا بسبب ان المواطن حين ينتخب قائمة بعينها وأشخاص بعينهم فهذا يعني ان الشعب قد فوضها لتولي مقاليد الحكم سواء على المستوى المحلي او الاتحادي وعليه فان السياسيين الذين وصلوا الى قبة مجلس النواب يجب ان لا يتجاوزوا ارادة الناخب حين ينتخبون الرئاسات الثلاث ولكن هذا لم يعمل به على مدى الدورات الانتخابية السابقة وإنما حلت محله المحاصصة تحت مبدأ التوافق السياسي وأصبحت المناصب مقسمة على اسس طائفية وحتى الحكومة ووزاراتها لم تسلم من التوافقية السياسية لذلك لم تخرج لنا حكومة قوية وذلك لان ولاء الوزير لا يتعدى الكتلة التي يمثلها حتى وان تعارضت مع المصلحة الوطنية .
اصبح العراق اليوم في المحصلة لا يحركه الشعب باعتباره المصدر الوحيد للسلطات وإنما اصبحت التوافقية والتي اجمعت كل الكتل السياسية قبيل نهاية الدورة البرلمانية الثانية ان اساس تأخر العراق والتدهور الامني والفساد المالي والإداري هو المحاصصة التوافقية وعدم وجود معارضة حقيقية في مجلس النواب وان الحل هو الاكثرية السياسية في ادارة الدولة ولكن ما نراه اليوم هو ضرب كل تلك التصريحات من قبل الكتل والتيارات عرض الحائط والإصرار على تجاوز الدستور وإرادة الناخب وبحجج لا ترتقي بان يصدقها عقل عاقل .
ان الحل الامثل لما يدور في العراق هو ان يحصل تعديل دستوري اما ان يجعل انتخاب رئيس مجلس الوزراء مباشر لكي يتخلص العراق من هذا العرف السياسي المقيت الذي لا يلبي إلا مصالح من ابتكره والذي ادخل العراق بنوع جديد من الدكتاتورية ومصادرة رأي الشعب او ان يصار الى ان يكون النظام هو النظام الرئاسي بدل النظام البرلماني والذي ينتخب فيه الرئيس انتخابا مباشراً من قبل الشعب .
ان دوامة المحاصصة التوافقية سوف تظل تلتهم السنين تلو السنين ولن يتغير من حال العراقيين شيئا لأنها لن تخرج حكومة قوية تعمل بشكل وطني ولو رئس مجلسها كائناً من كان لأنه بالمحصلة سوف يعمل وزراءه ضده لكي لا تحسب النجاحات التي تتحقق له ولحزبه ولكتلته .
ان ما يتم تطبيقه من محاصصة سوف يطارد وزره من ابتكروه واقروه وتجاوزوا به الدستور وإرادة الشعب وأدخلوا العراق بدوامة لن تنتهي إلا بنهاية هذه العرف السياسي المقيت
حفظ الله العراق واهله من كل سوء
9/8/2014
حميد قاسم الموسوي
التعليقات