على خلفية تسليم الموصل إلى داعش ( 4 )
كاكا مسعود يعلن عن دولته الكردية !
بعد أنْ تسلمت داعش الموصل من خونة الشعب العراقي ، تقدمت قوات البيشمركة لاحتلال كركوك ومناطق من الموصل وديالى ، وأعلن فورا كاكا مسعود عن تأسيسس دولته الكردية ، وكأنه على موعد مع هذا الحدث الذي جلب الألم والحسرة للشعب العراقي ، وكان يأمل أن تعلن دول الشر في المنطقة فورا تأييدها واعترافها بهذه الدولة ، والتي طالما كانت تدفعه للتمرد على السلطة المركزية ، لكن هذه الدول التزمت الصمت ، عدا إسرائيل التي أعلنت عن دعمها للبارزاني للإنفصال عن العراق كخطوة أولى لتقسيمه إلى دويلات صغيرة تحقيقا للحلم الصهيوني ، بل طلبت من أمريكا أن تعترف بدولة كاكا مسعود .
الكرد إحدى قوميات الشعب العراقي الذين تعرضوا للظلم والحيف من قبل حزب البعث الدموي مثل ما تعرض بقية أبناء الشعب العراقي ، لكن بعد تحرير الكويت وأحداث الإنتفاضة الشعبانية عام ( 1991 م ) ، قامت أمريكا وحلفاؤها بخطوة لصالح الأكراد ، إذ عزلت محافظات الأكراد الثلاث ( أربيل والسليمانية ودهوك ) عن سلطة صدام وقامت بحمايتهم ، بعد أن قررت أمريكا بدفع من دول الإقليم الطائفية إبقاء صدام في السلطة لسنوات أخرى ، مع إطلاق يده لذبح أبناء الشعب العراقي في الوسط والجنوب ، فكانت المقابر الجماعية سيئة الصيت .
بعد عزل المحافظات الشمالية عن سلطة صدام ، بدأ الكرد ينظّمون ويرتّبون حالهم تحت إشراف ونظر أمريكا ، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ النفوذ الصهيوني بدأ بالتغلغل في شمال العراق منذ ذلك التأريخ ، واستمرت الحال هكذا حتى سقوط صنم بغداد صدام المقبور في ( 2003 م ) ، وعند إقرار الدستور العراقي الجديد وتضمينه نظام الفيدرالية والأقاليم ، تم إعلان كردستان إقليما كواقع حال ، وفي تقديري إنّ مشروع الأقاليم ثُبت في الدستور بضغط من الكرد والمحتل الأمريكي ليكون ثغرة يدخل من خلالها أعداء العراق لغرض تقسيمه ، وهذا هو الحلم الصهيوني الذي يراد تحقيقه في العراق تحت عنوان الفيدرالية والأقاليم ، وقد تبنته أمريكا وأعلنت عنه في بداية الأحتلال على لسان نائب الرئيس الأمريكي ( بايدن ) ، وأراد الأمريكان أنْ يبدأوا بالدول التي تخشاها إسرائيل أكثر وهي العراق وسوريا ومصر ، على أن يبدأوا بدول عربية وإسلامية أخرى في مرحلة لاحقة .
سياسيو العراق منقسمون في موقفهم من الفيدرالية ، منهم من يتوافق مع مشروع بايدن لكنهم يختلفون في الدافع والهدف ، من السياسيين من أنخرط في مشروع التقسيم كونهم تابعين لأيدولوجية عدائية خارجية ، وهم الذين يتسترون على الإرهاب ويدعمونه ويستوحون توجيهاتهم من خارج الحدود ، وهؤلاء من دفع كاكا مسعود وشجعه على الإنفصال عن العراق ، وهم مَنْ سهّل ومهد إلى داعش لاحتلال الموصل ، أما البارزاني ومجموعته الكردية فهم يريدون التقسيم بدوافع قومية بهدف تأسيس دولة مستقلة عن العراق ، بعد أن إستقطعوا المساحات التي تؤمن لهم أطماعهم ، ويتلقى البارزاني الدعم القوي للإنفصال عن العراق من الحركة الصهيونية الدولية ، وما إجتماع البارزاني في باريس قبل احتلال الموصل بفترة وجيزة مع بعض الشخصيات الواقعة ضمن دائرة النفوذ الصهيوني مثل منظمة خلق الإرهابية ، إلا لتحقيق هدف الإنفصال عن العراق ، وقد أعلن مسعود عن نواياه الإنفصالية هذه بشكل مكشوف بعد نكبة الموصل ، كما أعلنت إسرائيل دعمها العلني لمشروع البارزاني ، بعد أنْ بدأت تتسلم دفعات النفط العراقي المسروق من قبل حكومة كردستان ، بمساعدة حكومة أردوغان التركية ، ولا يفوتنا أنْ نذكر بعض السياسيين الآخرين الذين هللوا ورحبوا بالفيدرالية إما إستغفالا أو جهلا أو طمعا في الحصول على الإمتيازات والمكاسب من غيرأنْ ينتبهوا إلى مخاطرها .
لكنّ الأحداث أثبتت إنّ مشروع التقسيم الذي سُوق باسم الفيدرالية هو مشروع صهيوني تبنى مسعود البارزاني مسؤولية تنفيذه ، وقد زُرع في بنود الدستور العراقي وهو أشبه بالقنبلة الموقوته التي قد تنفجر في أية لحظة ، وأرى من الضروري أن ينتبه البرلمان الجديد لمواطن الخلل في الدستور ، والواجب الوطني يحتم على أعضاء البرلمان الجديد ، تشكيل لجنة مختصة تدرس مواد الدستور لغرض تعديله واستبدال أي بند يدعو الى الطائفية أوالتقسيم أو يجلب الضررلمصالح الشعب العراقي ، مثل بند الفيدرالية ، ولو أنّ هذا مطلب بعيد المنال في الوقت الحاضر ، لأن نظام المحاصصة مفروض في هذه الدورة أيضا ، وقد فرضته الظروف القاسية التي صنعها خونة الشعب العراقي ، استجابة لرغبة الدول المعادية للعراق ، واستجابة لرغبة بعض السياسيين الذين يريدون استغلال ظروف نكبة الموصل لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية ، على حساب مصلحة البلد ، ومصالح الشعب العراقي العليا .
المستفيد الأول من مشروع تقسيم العراق من الشركاء السياسيين هو كاكا مسعود ومنذ ( 2003 م ) إلى يومنا هذا يصرح بين الفينة والأخرى عن مشروعه الإنفصالي الذي تدعمه إسرائيل وجميع الدول الحليفة والصديقة لها ، يدعمون مشروع البارزاني لتأسيس دولة كردية في الخفاء ، عدا إسرائيل فإنها تدعمه في العلن خاصة بعد نكبة الموصل ، بل أخذت تطالب أمريكا للإعتراف بدولة البارزاني وقد استغل كاكا مسعود ظروف النكبة فتحرك سريعا في وقت واحد مع حركة داعش صوب الموصل ، وحركته هذه توحي أنه على علم بما سيحدث في الموصل ، إن لم يكن طرفا فيها ، وفعلا كان للضباط الكرد في الموصل دور كبير في العملية .
دعوة مسعود البارزاني للإنفصال عن العراق تعد مخالفة للدستور ، سيما وأنه سبقها بفعل مدان من الشعب العراقي ، وهو سرقة ثروة البلاد النفطية وبيعها إلى العدو الصهيوني ، كما يدين الشعب العراقي التنسيق بين البارزاني وأعداء العراق واستغلاله للظروف الصعبة التي يمر بها العراق لتحقيق أطماعه الشخصية ، نراه تحرك في وقت واحد مع داعش ، فاحتلت هي الموصل ، واحتل هو كركوك ومناطق أخرى خارج كركوك ، والمنسق بين داعش والبارزاني هو أثيل النجيفي محافظ الموصل السابق ، تقدمت قوات البيشمركة نحو كركوك واحتلتها ، كذلك استولت على أسلحة الجيش العراقي ، فكانت أسلحة الجيش في الموصل من حصة داعش وفي كركوك من حصة مسعود البارزاني .
نكبة الموصل أظهرت مواقف بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية التي جلبت الإنتباه والإستغراب ، فبعضهم شريك في خلق النكبة وهم مَنْ مهّد وسهّل لداعش ، والآخر تشفّى والتزم الصمت وكأن ما حدث أمر شخصي يخص المالكي والذي يجلب الإستغراب أكثر أدعاء بعض السياسيين أنه يحتاج إلى أدلّة لخروقات البارزاني وانخراطه في التآمر على العراق ، وشرّ البلية ما يضحك ، فليس الإستغراب من المتكلم لأنه تفوه بهذا التصريح ، بل لأنه يتكلم باسم كيان سياسي معروف ، وتعول عليه شريحة واسعة من الجماهير في بناء مستقبل العراق . ونحن بدورنا وقد سمعنا بهذا التصريح نسأل ، ويسأل كل عراقي غيور :
هل احتلال البيشمركة كركوك يحتاج إلى دليل ؟
هل سيطرة البيشمركة على سلاح الجيش العراقي يحتاج إلى دليل ؟
هل إنزال العلم العراقي من المناطق التي سيطر عليها البارزاني يحتاج إلى دليل ؟
هل أقامة المطلوبين للقضاء في فنادق أربيل ونشاطهم وتصريحاتهم ضد العملية السياسية يحتاج ألى دليل ؟
هل وجود طارق الهاشمي وتنقله بحرية بين تركيا وشمال العراق يحتاج إلى دليل ؟
هل وجود المطلوبين للقضاء علي الدليمي ورافع الرفاعي وغيرهم يحتاج إلى دليل؟
هل سرقة النفط العراقي من قبل حكومة البارزاني يحتاج إلى دليل ؟
هل بيع النفط العراقي إلى إسرائيل من قبل حكومة كردستان يحتاج إلى دليل ؟
هل أعلان البارزاني عن دولته الكردية يحتاج إلى دليل ؟
وهل أعلان تأييد إسرائيل لأعلان كاكا مسعود لإنشاء دولته يحتاج إلى دليل ؟
وهل .. ؟ وهل ..؟ وهل .. ؟ أمر يجلب الحيرة والريبة !
وأخيرا نختم مقالنا بما صرح به الصحفي المصري العريق محمد حسنين هيكل إلى صحيفة الأهرام ، عندما سمع باحتلال كركوك من قبل البيشمركة :
(( مسعود البارزاني فتح أبواب جهنم على الأكراد ، إنّ دخوله كركوك يذكرني بدخول صدام للكويت ، وأتوقع إنهيار إنجازات الإقليم قبل 2014 م وإنه سوف ينقسم وتحدث حرب بين السليمانية وأربيل ، وعن سؤاله عن قوة البيشمركة ، أجاب إنها قوات ضعيفة وقيادات عائلية فاسدة ، وإنه بأول معركة سوف تشاهدون انهيارها ))
علي جابر الفتلاوي
التعليقات