حوار مع القاص حمودي الكناني
الشعر سفر صوفي للبحث عن المعنى، و الشاعر مسافر زاده الحرف…وعيه بالكتابة تعبير عن تفاعل حميم مع العالم كما يراه يحسه يريه يحلمه يعيه يكتبه.
…من هنا نسجتُ اسئلتي و وزعتها كالمنشور على عدد من الساكنين جداري الفيسبوكي…اليستِ الكتابة على الجدران لصيقة بالانسان منذ اول الخربشات في الكهوف الى لوحات الطين السومرية و المسلات و جدران المعابد الى جدرا المدن الحديثة التي تصاب بالذعر كلما عنّ للمُهَمّشين رَشّ وجهها بما يخدش صمتها و يغرز في جنبها اسئلة الوجود و الكينونة....ضيفي التالي سومريّ لا تتلعثم حروفه صادق في صدحه و صدعه للظل كي يعبر النور بقلب الحرف الى حرف القلب...لنتابع:
1- اذا قلبنا اوراق تاريخك ما الذي سنصادفه ؟
ج : لربما تصادفون انسانا مازال يصرخ بوجه هذا العالم , انسانا قد عركته الحياة وقولبته على التحيز الى الحرية وكسر القيد الذي رسمته انانية الانسان , انسانا قد ذاق قليل حلوها و كثير مرها وتفاعل مع معتركها وتمكن من الصمود بوجه الكثير من الصعاب , تمكن من ان يشق طريقا له وسط هذا الزحام المتلاطم كموج بحر في يوم شديد الرياح مضطرب الانواء الذي سرعان ما يتغير من حال الى حال بسرعة عالية ووقت قصير يتفاوت البعض في التفاعل معه بما يرضي . فنحن نعيش وسط متغيرات سريعة وحادة و تبدلات مفاجئة ليست بالحسبان ومع ذلك ربما ستصادفون انسانا غير مفهوم من قبل الاكثرية التي انكرت على نفسها أن تفهم الآخر بكل تفاصيله و مع ذلك لأجل أن تقفوا في محطتي قليلا ستصادفون رجلا يغني من رائعة الشاعر النجفي محمد صالح بحر العلوم " أين حقي "
حرروا الأمة إن كنتم دعاة صادقينا
من قيود الجهل تحريرا يصد الطامعينا
وأقيموا الوزن في تأمين حق العاملينا
ودعوا الكوخ ينادى القصر دوم ا: أين حقي؟
يا قصورا لم تقم إلا بسعي الضعفاء
هذه الأكواخ فاضت من دماء البؤساء
وبنوك استحضروا الخمرة من هذى الدماء
فسلى الكأس يجبك الدم فيه : أين حقي ؟
حاسبيني إن يكن ثمة ديوان حساب
كيف أهلوك تهادوا بين لهو وشراب
وتناسوا أن شعبا في شقاء وعذاب
يجذب الحسرة والحسرة تحكى : أين حقي؟
كم فتى في الكوخ أجدى من أمير في القصور
قوته اليومي لا يزداد عن قرص صغير
ثلثاه من تراب والبقايا من شعير
وبباب الكوخ كلب الشيخ يدعو : أين حقي؟
2- يقال إن الشاعر لا يسكن الوطن بل يسكن الوهم...أليس الشاعر صوتا و ضميرا لوطنه ؟
ج- الوطن هو المكان , والمكان هو الحيز المقدس في كل نص أدبي ايا كان جنسه, اذن هو الـ Data Show التي تُسحب اليها كل الاخيلة والأحاسيس التي ربما يحسبها البعض وهماً ولكن لنستبدل الوهم بالحلم الجميل الذي لا يريد الحالم ان يستيقظ منه ووفق هذا المنظور للمكان يبقى الوطن يسكن في الشاعر فهو لم يغادره اينما يحل ويظل بداخله هاجسا وأملا الآن وفي المستقبل غير المنظور , يبكي حين يبكي ويضحك كذلك اذا ابتسم وحين ينظر الى سعفات النخيل او يعبر فوق جسر على نهر الفرات او دجلة او النيل سيجد نفسه في احضان ام حنون كيف له ان يحسبها وهما ؟ فهاهم شعراؤنا مع اغترابهم الموغل في البعاد ترين حروفهم تنبض بحب ازلي لا يمكن ان ينفصل عن ضميرهم فـ "دجلة الخير " كتبها الجواهري بحروف تقطر لوعة رغم اغترابه وبعده عن الوطن وكذلك ما نجده في شعر النواب و البياتي و السياب وغيرهم من شعرائنا الكبار هذا الضمير الذي يأبى ان يتنازل عن لحظة واحدة ممكن ان يبتعد فيها الشاعر عن وطنه ويحيله الى مجرد هاجس و وهم !!
س3:هل تؤمن بانبعاث وطن تتآكله الجروح و يغرق في ضماداته ؟
إن مفهوم الوطن لدي ليس عبارة عن نظام سياسي متهرئ ممكن أن يسحق المواطن ويضيع الأرض ..ولكن المنظور الشمولي للوطن يفرض علينا أن نفهم الوطن على أساس الإنسان المتواجد في هذه البقعة من الأرض الذي تحكمه قيم وعادات وتقاليد درج عليها منذ أجيال وتوارثها منذ قرون ...فانا مازلت اشعر بانتمائي إلى جلجامش وتحكمني تقاليد ذلك المعبد الذي كانت تحكمه شمخه التي روضت أنكيدو فمازلنا بالعراق نحتفل بمرور سبعة أيام على زواج الفتاة بالفتى ونعتبر الرقم (7) مقدسا كما فعلت شمخة و أنكيدو ؛ أذن هناك ارتباط روحي وأزلي بتقليد مضى عليه خمسة الآف عام فحين انظر إلى هذا التاريخ يصبح للوطن عندي بعدا آخر فانتمائي للأرض وللحضارة ولهذا الطين الذي صنعت منه المسلة لا يمكن أن يتغير بعوامل التعرية الاستعمارية التي غالبا ما تأتي مثل كابوس وسرعان ما ينجلي حين يستيقظ الشعب ويعيد ترتيب أوراقه....فالجروح قابلة للشفاء والضمادات ممكن أن نزيلها, ولهذا نرى ان البقعة من الارض التي عاش عليها الآباء والاجداد والتي أطلق عليها العراق هي وطننا الذي كثيرا ما تعرض للهجومات المتلاحقة والغزو على مر التاريخ لموقعه المتميز ولخصوبة ارضه ووفرة غلاته وخيره لكنه بالمقابل ينهض من بين ضنك الجراح ونزفها ليسهم وبجدية في بناء صروح الحضارة التي مازال العراقيون يتغنون بها ويشهد لها العالم بأسره !
س 4 : أي علاقة ممكنة بين الابداع الادبي والنقد بأبعاده الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة؟
لابد لكل نشاط من الانشطة الثقافية والفنية والعلمية من مقوم ولهذا اصطلح ان يكون هذا المقوم هو النقد فهو بحد ذاته تقييم لذلك النشاط وتقويمه وخصوصا اذا ما علمنا بأن هذه الانشطة ذات تأثير مباشر في حياة الانسان وتطلعاته فالبيئة التي تنتج ادبا وفنا هابطا سينسحب ذلك على مستوى تفكير الفرد وتطلعاته وآماله فصار من الواجب ان يقوم هذا الادب والفن من قبل المختصين الذين يمكنهم ان يقوموا ذلك الفن فالناقد الادبي لا يمكنه ان يكون ناقدا الا اذا كان اديبا قد غاص في بحر ذلك الفن ليكشف مواطن الضعف في تلك الرواية او تلك القصيدة ويحلل البعد الثقافي والأهداف الاجتماعية التي تناقشها والهدف السياسي الذي يريد الاديب ان يوصله للمتلقي ...اذا فالإبداع خلق جديد ولكل خلق هناك نقاط قوة ومواطن ضعف فالنقد يقوي من نقاط القوة والبناء الدرامي للعمل الادبي او للقصيدة وسيحاول تلافي نقاط الضعف الموجودة في هذا العمل الامر الذي ينبه له والذي سيمكن الكاتب او الشاعر من ردم الهوة بينه وبين المتلقي وصولا للهدف الاساسي الذي كتب العمل من اجله ولهذا فهناك ربط جدلي بين الابداع الادبي والنقد بكل ابعاده .
س 5 : كيف نقرن بين أسئلة الثقافة و أسئلة النقد؟
كما أسلفنا أن النقد هو جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة التي تعني بمراجعة ما يقدمه الإبداع الجمعي للمجتع هذا من جهة ولكون الناقد هو أديب أو فنان او أنه الشخص الذي يمتلك ادوات النقد ومؤهلاته أي بمعنى انه جزء من هذا الإبداع فالرؤيا التي يقدمها الناقد على ضوء ما ينتجه هذا المبدع من أفكار تساهم في توجيه الفكر الجمعي للمجتمع تجاه حالة معينة ولهذا أن أسئلة الثقافة لا يمكن أن تكون بعيدة عن أسئلة النقد لأن المتلقي والناقد يحاولان الوصول إلى نقطة معينة وهي الغرض من هذا الإنتاج الأدبي ولان الاديب حتما لديه اسبابه التي تثير وتحفز الناقد للبحث عن اسئلته لهذا ارى ان على الناقد ان يضع نصب عينيه أي اسئلة يختارها ليجيب عنها أي نص ادبي ..فالاسئلة يجب ان تحاكم النص لوحده من غير ان تتناول منتج هذا النص وهو الكاتب لان هناك زوايا يكتشفها الناقد لم تكن في حسبان الكاتب اصلا !
س 6 : هل هناك إرادة عربية لمساءلة الثقافة و تفعيل دورها في التنمية؟
عند الحديث عن الثقافة العربية لابد من الإشارة إلى مسألة مهمة هي أن الثقافة العربية الحديثة بدأت تأخذ شكلا آخر فهي ابنة هذا الواقع المريض فحتما يصيبها ما يصيب هذا الواقع لهذا أرى ومن وجهة نظر شخصية انها تكاد تكون قليلة التأثير بالثقافة العالمية بل أصبحت عالة على الثقافات الأخرى وقد عانت من التغريب معاناة أفقدتها الكثير من طابعها وهويتها فالأديب والمثقف العربي وبدون أن يشعر اخذ يتأثر بالثقافة الغربية من ناحية الأسلوب بطرح ومعالجة المشكلات والاستخدامات اللغوية التي غالبا ما تكون غريبة على المتلقي او صعبة الفهم لغلبة طابع الابهام والايهام ...أن ما يقدمه المثقف العربي بصورة عامة والمثقف العراقي بصورة خاصة لا يوازي حجم الحدث والمخاضات التي تمر بها الأمة فبالرغم من خوض العراق حروبه الأكثر دموية وتراجيديا إلا أن المثقف العراقي والأديب العراقي لم ينتج لنا رواية توازي رواية الحرب والسلام ...وبالرغم من الحروب الأهلية التي نخوضها منذ احد عشر عاما إلا أننا لم نتمكن من إنتاج رواية توازي رواية "ذهب مع الريح" ......إذاً هناك ضرورة قصوى لتفعيل دور المؤسسة الثقافية العربية ومنحها دوراً اكبر واهتماما أكثر لتأخذ دورها المهم في التنمية البشرية باعتبارها هي المؤسسة الأهم والوحيدة التي تنبه وتلفت النظر وتطرح الحلول للمشاكل التي يتعرض لها المجتمع ....ولكننا نرى على العكس إن أكثر من يعاني من التهميش والإبعاد والاقصاء والتهجير والتغريب هو المثقف العربي ... ومع كل هذه المعرقلات نرى منظمات واتحادات مستقلة تعني بالأدب والثقافة أخذت على عاتقها العناية بالمثقف العربي ولكنها تبقى محاولات متواضعة خجولة حيث يعاني المثقف العربي لحد الآن من عدم حماية حقوقه الفكرية والأدبية من السطو والسرقة !!
س 7 : في الشعر تتوازى الظواهر و الأسئلة و ينتفي البياض لميلاد جديد مع كل نبضة حرف ...هل ما زال الشعر العربي قادرا على تحقيق الخلود ؟
لقد غادر الشعر العربي منذ فترة ليست بالقصيرة أسلوبه القديم واكتسب ثوب الحداثة في بناء القصيدة فأخذت تنتشر بعد الشعر الحر أو شعر التفعيلة قصيدة النثر التي تعتني بالرمزية في إيصال الصورة للمتلقي مما حدد نوعية الفئة المستهدفة من هذا الشعر مما افقد الشعر العربي الكثير من جمهوره فقصيدة المتنبي والجواهري وأبو تمام والبصير وشوقي بنيت بناءا عربيا خالصا بناءا ثقافيا ولغويا فالصورة البلاغية تجعل المتلقي الاعتيادي يتفاعل معها بشكل اكبر وأعمق مما يتفاعله المتلقي بالقصيدة النثرية وتجعل من المتلقي غير النخبوي محتارا كتلميذ يطرح عليه المعلم سؤلا لا يعرف اجابته فيبقى متألما خجلا امام معلمه وأمام اقرانه مثلما يبقى المتلقي خجلا ومتألما امام النص الموغل بالرمزية والابهام ولكن هذا لا يمنع من وجود شعر غاية في الطرح والاسلوب والبيان وسهولة ايصال المعنى للمتلقي و اذا ما علمنا ان اللغة العربية لغة ثرية مطواعة تمنح نفسها للمفكر والكاتب بكل سلاسة وطراوة ....والحقيقة هناك قول للمفكر الإسلامي رشيد بن عيسى يقول فيه أن قيمة كل قوم بقيمة لغتهم إلا العرب فقيمة لغتهم أعلى منهم حيث إنها اللغة الابتدائية أو اللغة رقم واحد فاللاتينية أخذت عنهم وبقية اللغات كذلك وكذلك هي محفوظة بحفظ القرآن الكريم ....أن لهذه اللغة أثرا كبيرا في أن تحفظ التراث الأدبي والشعري العربي واعتقد أن أدباءنا مازالوا قادرين على أن ينتجوا أدباً خالداً فمازال بيننا شعراء يكتبون مثل السياب والجواهري والنواب والملائكة والبياتي وغيرهم من الذين أثروا المكتبة العربية والساحة الأدبية بروائع ستبقى لأجيال ماثلة وحاضرة للذين سيأتون وسينهلون من هذا العطاء.
س 8 : هل تؤمن بالكتابة نايا أم منشارا أم عصا أو غير ذلك ؟
أن الشعر بطبيعته هو حالة وجدانية تعبر عن حالة الشاعر والكتابة تعبر عن حالة الكاتب وتفرض هذه الحالة في الغالب البيئة المحيطة بالكاتب وكما أن للشعر أغراضاً عديدة منها المديح والهجاء والرثاء والغزل ..إذاً فهي نتاج يصدر عن الكاتب نتيجة تفاعله مع المتغيرات فعندما يعشق الكاتب يكون الناي رفيقه في عزف نغمه وعندما يكون غاضبا ستكون كتابته عصا وعندما يريد أن يبني بيتا وسط غابة سيستخدم منشاره الذي يجيد في قص باسق الشجر وصلب العود ليقاوم عوامل الزمن .....فانا من الذين يرون ان الكتابة نايا وعصا ومنشارا ومطرقة وفأسا وبندقية !!
س 9 : هل تنفع الحروف لتحصين الروح؟؟؟؟
إن للحرف تأثير كبير في النفس البشرية قد ينسى الإنسان كل الأفعال التي يتعرض لها ولكنه لم ولن ينسى كلام قد جرحه وبذلك يقول الشاعر الجاهلي ( قد ينبت المرعى على دمن الثرى...... وتبقى حزازات النفوس كما هي) وقد يغير هذا الحرف مسار حياة الإنسان ( المتصوف بشر الحافي كان من المجون والبذخ لم يُدانِه في بغداد الرشيد أي بذخ وتغير من بضع حروف سمعها من جاريته حين نقلتها له عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام) ... فحين تطمئن النفس لذلك الحرف فأنه سيكون لها حصناً لها تسكن إليه لا يمكن اختراقه مهما تعرض لاضطهاد... فعندما آمنت (آسية بنت مزاحم برسالة موسى عليه السلام وهي زوجة فرعون فهي لم تكن تشعر بالتعذيب الذي تعرضت له على يد زوجها فماتت وروحها مطمئنة بأن لها بيت بالجنة )....فالحرف هو غذاء الروح التي يحصنها فكل الرساليين هم من ذوي المنطق والبيان العالي الذي يأسر القلب ويجعل من الأتباع مؤمنين بما ينادي به هذا الداعية أو ذاك.
عزيزة رحموني
التعليقات