العاطفة ذلك البريء الملوم
عادة ما نسمع وصفا لمجتمعاتنا بأنها عاطفية، تأخذ "العاطفة" أبنائها إلى حيث لا ينبغي لهم أن يكونوا. قوى الفساد والظلم في بلادنا تنجح في ترسيخ صورة ذهنية لشعوبنا تحمل هكذا بصمة. ويأتي الغربيون ليزيدوا الطين بلة بأن يضفوا الصبغة العلمية على هذا التوصيف! "العاطفة" لفظة فضفاضة، تنضوي تحتها معان شتى تبدأ بقيم ومثل عليا وتنتهي بمعان الانحياز والمصلحية واللاموضوعية واللانزاهة. المضللون - إذا - كسوا القليل من الحقائق بركام الأكاذيب، شيء أقرب لما يسميه الأمريكيون في أدبياتهم الرصينة "حماية الحقائق بالأكاذيب"، مع الفارق طبعا في الغاية والوسيلة، ففي حالة مجتمعاتنا المُضللة كلاهما رديء. الانحياز والمصلحية والموضوعية واللاموضوعية واللانزاهة..كلها معان مكانها هامش العاطفة وليس جوهرها الأصيل. من هنا، ليس صحيحا أن أصحاب التفكير الفلسفي - خاصة الأنسني - خلو من العاطفة في أبنيتهم النظرية ونقدهم القاس الخشن. هم في جوهر العاطفة الأصيل الصعب بمعزل وترفع عن الهامش الرديء السهل. يدل على ذلك لامصلحية ثوريتهم. المفكر الأنسني - شأن غيره من أصحاب التفكير الفلسفي - عندما يتفلسف ويمارس لعبة النقد يفعل ذلك بكليته الانسانية، كونه لا هو ولا غيره من بشر - على الأقل حتى الآن - لهم القدرة على تحديد موطن العاطفة وحدودها في كليتهم الإنسانية. لا صحة إذن للمغالطات القائلة بخلو التفكير الفلسفي وأصحابه من العاطفة، بل إن عاطفتهم أرقى كثيرا من غيرهم.. يتجسد هذا بوضوح في علو الذائقتين الجمالية والأخلاقية عند أصحاب التفكير الفلسفي، وهما يرتبطان بقوة بالعاطفة، أعني بالطبع جوهرها الأصيل مُمثلا في القيم والمثل العليا وليس في هامشها الرديء. العاطفة بريء ملوم في مجتمعاتنا، يحتاج لمن ينصره ويعمل على تبرئته.
د.حازم خيري
التعليقات