اختناق...قصة قصيرة جداً
في ساعة قديمة منسلخة من ظهيرة عفنة برطوبة شط العرب . دلفت إلى مقهى مكتظ برّواد ما بعد الغداء ، اغلبهم حمالي بضائع وصباغي أحذية وشحّاذين . حين طلبت الشاي ، دخل رجل خمسيني بزيٍّ ريفي مغبر ، جلس إلى جانبي وراح في شبه إغفاءة وهو يمسك بسيجارة غير مشتعلة بين اصابعه . قلت له : ( الله بالخير ). شعرت كأنه مهجور ، أو تائه في فوضى الإهمال الجماعي . لملم كوفيته للخلف وقدم لي سيجارة . وأثناء التدخين وارتشاف الشاي ، عرفت انه يبحث عمّن يغفر له خطأه! أو يدلّه على من ينظّف الروح من ندبة في الضمير : ( كنت في العشرين من عمري عندما ارتكبت الجريمة . كان ذلك في ريف الناصرية أيام الاحتلال . في تلك الليلة من ليالي الشتاء القارص عبث الشيطان في ذهني . لم ادر لحظتها كيف اطلقت النار من بندقيتي ( البرنو ) .. فاجأتني الصرخات من كل صوب ماذا فعلت يا مجنون ؟ الجدران.. الأبواب.. النوافذ..الشوارع.. كلها تصرخ وتهيل عليّ اللعنات والسباب . ولمسافات طويلة وأنا اركض.. كانت ألأصوات تصلني متصاعدة . ومنذ عشرين عاماً ما يزال صداها يتردّد ، يلهب ذاكرتي بوجعٍ خشن وطنين تأنيب الضمير والندم ) .
ودون مبالاة بتدفق نزيف دم ذاكرته . ورغم قتامة أساه قاطعتهُ ، بسؤالٍ مقتضب :
- هل قتلت أحدا ؟
- نعم.. قتلت نفسي !!
البصرة .....
نبيل جميل
التعليقات
|
الأديب نبيل جميل
ْحيْ على التائهين الذين تهتم بهم أنت في جلّ أقاصيصك ذاك رهط من البشر لا يعرفون من الحياة غير أفواه فاغرة وبطون خاوية وأسمال بالية وأكواخ مشققة أقاصيصك يا أديب الشعب المظلوم والفقراءو الطبقات المسحوقة والمهشة التي ينساها النسان تعلن عن ضياع الإنسان في خراب الواقع بعطيك الصحة |
|