تصريحات جوفاء
* إن بعض المشتغلين في السياسة وأعني بالذات الذين جاءت بهم ظروف معينة وفرضتهم في مواقع لم يكونوا يحلمون بها، نراهم بين فينة وأخرى يطلقون التصريحات اللامسؤولة جزافاً دون اي اعتبار لمسؤولياتهم ومواقعهم وتحالفات كتلهم.
* من هذا المنطلق أدلى مرة أخرى النائب سامي العسكري بتصريح جارح ضد الشعب الكردي، ليضاف الى تصريحاته الممجوجة السابقة التي اتضح للجميع بأنها لاتسمن ولاتغني من جوع، وهي كالفقاعات التي لاتترك أثراً.
لقد تطاول العسكري هذه المرة على الثورة الكردية التي احتفل الشعب الكردي قبل أيام بالذكرى الحادية والخمسين لاندلاعها وقال عنها لافض فوه "أنها ثورة العصاة" ولم يكتف بهذا الكلام السفيه بل اعتبر جميع التضحيات التي قدمها الكرد لأجل اسقاط النظام البعثي عبر ثورته التي قدم خلالها ألوف الشهداء اعتبرها سامي العسكري بحسب منظوره الشوفيني حرب العصابات.
* كان عليه وهو نائب في البرلمان أن يتحدث عن الذين أثروا على حساب الشعب والذين أزدادت أرصدتهم في مصارف الخارج، كان عليه أن يتحدث عن الوزراء الفاسدين الذين نهبوا أموال العراقيين وهربوا الى الخارج دون عقاب، لا أن يطعن الشعب الذي كان له الدور الكبير في اسقاط ذلك النظام الديكتاتوري والمساهمة في بناء عراق جديد تهيأت فيه الأجواء له ولأمثاله ليتبوأوا المناصب الرفيعة ذات الرواتب الضخمة، ويحصلوا على إمتيازات لم تكن في حسبانهم يوماً.
* يحق لنا أن نتساءل: ما الفرق بين مايروجه بقايا البعث ومرتزقة صدام حسين وجلاوزة الأقبية المظلمة ضد الكرد وثورتهم وطموحاتهم واستحقاقاتهم القومية الوطنية وبين ما قاله "سامي العسكري".
إنها نفس النغمة التي سمعناها من أيام حكم البعث عام 1963 وفي عهد عبدالسلام عارف ومن ثم سمعناها طوال ثلاثة عقود من صدام حسين ومنظري حزبه الفاشي.
* في سياق تهجمه عن الكرد واستنكاره لثورتهم قال العسكري: "ثورة ايلول هي ثورة العصاة وهي أشبه بثورات العصابات لأن حكم عبدالكريم قاسم كان حكماً عادلاً بمعنى الكلمة"، انه لم يستطع اظهار الفرق بين عبدالكريم قاسم كشخص وبين حكمه الذي كانت عليه مآخذ كثيرة.
ان حجته فعلاً واهية وغير مفهومة لأن عبدالكريم قاسم كان ومايزال عند قادة الكرد وفي مقدمتهم الرئيسان طالباني وبارزاني زعيماً نزيهاً ووطنياً مرموقاً ويعتبره الكرد قائداً مخلصاً لشعبه ومضحياً في سبيل مبادئه.
ولكن حدث ان قام الموتورون من المحيطين به بدق الأسفين بينه وبين قادة الحركة السياسية في كردستان، وحين رأى الشعب الكردي أن مستقبله في خطر وان أوامر القاء القبض الصادرة من الحاكم العسكري العام بحق المناضلين الكرد مستمرة والصحيفة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني تعرضت للضغط ثم الغلق كما صدر أمر القاء القبض على رئيس تحريرها، ومن جهة اخرى تعرضت مناطق معينة من كردستان للقصف لذلك اعلن الكرد ثورتهم في الحادي عشر من أيلول عام 1961 ولكنهم لم يغلقوا باب التفاوض والحوار، وكان من الممكن التوصل الى نتائج إيجابية ترضي الطرفين لولا التدخلات الخارجية والمؤامرات التي كانت تدبر في الخفاء، فقد تعشعش العملاء في مرافق الدولة الى درجة ان سكرتيره الخاص جاسم العزاوي كان يتجسس عليه وينقل مايراه ويقرأه الى البعثيين والقومجيين، وكان عدد من الضباط امثال احمد حسن البكر وصالح مهدي العماس ومنذر الونداوي وعبدالغني الراوي وعبدالستار عبداللطيف وغيرهم الكثيرون يعملون بجد لإزدياد حدة التوتر بين الكرد وبين الزعيم عبدالكريم. وهذا ما جعل الطريق ممهداً لنجاح القادمين الى الحكم بالقطار الأمريكي على حد تعبيرهم.
* إذاً كان على النائب سامي العسكري الذي يحاول اظهار نفسه في عالم السياسة كأحد نظراء هنري كسنجر، كان عليه أن لايدافع عن حكومات صدام حسين واحمد حسن البكر والآخوين عارف بهذه الحرارة التي ظهرت في تصريحاته التي قال فيها:
((يستغلون وجود الجبال لشن حروب ضد حكومات العراق وجميع حروبهم بمثابة حرب العصابات.))
* إن هذه الكلمات التي صدرت من النائب المحترم تظهر بوضوح ان (حضرته) يستنكر قيام الكرد بالثورة ضد حكومة البعث (المسكينة)! وان وجود الجبال هي التي ساعدتنا على استغلاله لشن حرب ضد الحكومات التي يدافع عنها العسكري ويعتبر ثورتنا حرب العصابات.
* إن اي منصف مطلع على تاريخ الحركة الكردية يعتبر ثورة الكرد ثورة الحق ضد الباطل، ثورة الكادحين ضد الطغاة، ثورة شعب مضطهد ضد أنظمة ديكتاتورية. ولمعرفة العسكري كان شعار الثورة الكردية الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان. أي أن ثورتنا لم تكن مغلقة على نفسها بل كانت تعبر عن آمال جميع العراقيين.
إذاً فليبقى العسكري مدافعاً عن حكومة صدام التي حاربها الكرد من خلال حرب عصابات على حد تعبيره، هنيئاً له بهذا الدفاع.
ولابد أن اذكر العسكري بشئ بسيط ومعروف وهو ان عدداً كبيراً من قادة العراق الذين يظهرون يومياً على شاشات الفضائيات ونقرأ تصريحاتهم كانوا قد عاشوا في كنف هذه الثورة التي يتهجم عليها سامي العسكري الآن.
ولكن المهم ان كلماته وتصريحاته ستظل جوفاء كأنها هواء في شبك.
مصطفى صالح كريم
التعليقات