حوار مع الشاعر العراقي زينل الصوفي
الشاعر زينل الصوفي : مشاريعي أن أرى كفّ الوطن خارجَ الأشواك وأن يمنحني الشعرُ منديلاً لأمسح دموعه
حاوره دانيال قاسم
* سيرة الشاعر مهمة في التعريف لاسيما للمتلقي ، فمن هو زينل الصوفي ؟
ـ رغم أنّ افتتاحك للحوار كان تقليديا إلا أنّه فتح باب التفكير أمامي وجعلني أتأمل جيدا في سؤالك ، حقا من هو زينل الصوفي؟
استفهام أربكني كثيرا وبقيت أتقلب على سرير حروفه وأطيل النظر فيه فلا أدري لماذا؟
أهو سؤال صعب إلى هذه الدرجة أم أني لا أملك المفردات الكافية للتعريف عنه أو عنّي ، ولكنني أستطيع أن أقول لك بعد جهد كبير من هرولة التفكير ، إن الذي استفهمت عنه يرفض أن يكون خارج الشعر يعني باختصار إنّ زينل الصوفي هو شاعر رضع من صدر الفرات حتى بلغ أشده في الكلام وللآن يفرش سريره على ضفته لأنه لم يغادره قطّ ، هو شاعر يتعامل مع مفرداته بانسيابية مثلما تجري دجلة على خدّ العراق ..
* مهما تطول بنا المسافات في آفاق الشعر فلابد من الرجوع إلى نقطة البداية ، فكيف كانت بدايتك وكيف كان مشوارك الأدبي ؟
ـ لا يعرف الشاعر متى كان شاعرا .. والبداية نقطة صعبة التحديد ، ربما أنا مؤمن بالمقولة التي مفادها أن الإنسان يولد شاعرا ، وربما الأصح أن الشاعر يولد شاعرا .. أي أني لا أتذكر كيف بدأت بالشعر وأنا على صدر " أمي " أرسم للرضاعة قصيدة ، أو كيف ولدتْ نار الشعر تتوهج بصدري لتكون شعلة ليرى القراء نورها هذا اليوم ، فهل تعذرني إذا قلت لك إن سفري الشعري ليس له نقطة محددة لأنني لا أتذكر حقا متى صادقت يدي القلم أو متى لبست أحاسيسي قميص الشعر .
* أنت شاعر وناشط اجتماعي وتربوي فأي عنوان من هذه العناوين الأقرب إلى روحك ؟
_هل يُسأل الزهرُ أين يفضل الإقامة ؟ أفي الحديقة أم في القارورة على رفٍّ منسي ؟ الشعر يا صديقي أقرب الأشياء إلي فأنا شاعر في طريقة شرحي للدرس وأنا أمام التلاميذ ، وشاعر في كتابة مقالاتي ، وشاعر في الندوات التي أشارك فيها ، وشاعر في أسلوب أكلي وشربي ونومي وتدخيني .. فالشعرُ أقرب إلي من زينل الصوفي ..
* باعتبارك شاعر ومهتم بالشأن الثقافي العربي ، كيف وجدت دور المثقف إزاء الأحداث الأخيرة التي مرّ بها العراق ؟
_ لا أفهم بالتحديد ماذا تقصد بالأحداث الأخيرة ؟
هل تقصد بتغيير النظام في العراق ، أم تقصد بها استنشاق الناس هواء حرية الكلام ، أم تقصد بالأحداث التي تجري من حولنا ، مهما يكن فإن للمثقف في كل العصور بصمة لا يمكن إخفاؤها .. لأنه هو من يكتب وهو من يرسم وهو من يحدد ، وكل بناء غير بنائه قد يكون فاقدا للكمال ، والمثقف الحقيقي هو الذي يظل حريصا على بقاء العراق خاليا من كل صداع فكري لأن هناك الكثير من المتعلمين الذين هم أنفسهم يحملون أعراض هذا الصداع للوطن .
* ما هو الحلم الذي الذي لم يأت والذي لا يزال شاعرنا يعيش لأجله ؟
_لي حلم في كل قصيدة ، وقد يكون هناك حلم للآن لم يأتِ ولكنني لا أعيش لأجله بقدر ما أعيش لأجل الشعر ولأجل أن أترك في حدائقه وردة تشبهني ، تحمل اسمي ، تكون بشكلي ، يفوح منها عطري الشخصي .. والحلم الذي واعدني ولم يأتِ لحد الآن هو امرأة من القمر امرأة مازالت لم تحضر إلى مكان الموعد رغم افتراشي دربها بمئات القصائد ..
* أراك تكتب قصيدة النثر ، كيف ترى هذا النوع من كتابة القصائد ؟
_ تسمية قصيدة النثر تختلف من شاعر إلى آخر ككتابتها ، وربما حتى تختلف من ناقد إلى آخر في تعريفها ، المهم فأنا أكتبها برفق وبلين لأنها الطفلة المدللة بل هي رقيقة إلى درجة الخوف عليها .. قصيدة النثر هي كالروبيان لأنها خالية من العظام الوزني فهي بذلك سهلة الهضم للقارئ وقد لا يحتاج إلى عناء في ذلك ، رغم أن البعض يخشون من وجود إبرة منسية في داخلها فيحرصون في قراءتها من الوخز والاختناق .
نعم كتبت قصيدة النثر كثيرا وأصدرت مجموعتي الأولى والتي هي بعنوان " نصف برتقالة " وهي كلها قصائد نثر ، وكانت الدهشة منقوشة على كل أرض فيها ، وانتهاء طرقها بما لا يتوقعها المتلقي قد تكون أهم ميزة لها .
* بمن تأثر زينل الصوفي من شعراء العرب والعراق ؟
ـ التأثر يكون بالشعر أكثر من الشاعر ، بجمال الأسلوب أكثر من مغامرات الكاتب ، وبالكلمات أكثر من نوعية الأقلام التي يُكتب بها ، وأول نهر سبحت به كان نهر شعراء الجاهلية ثم تقدمت بالسباحة فكلما كنت أتقدم كلما كانت السباحة تكون سهلة أمامي ، إلى أن قرأت لشعراء العصر والحداثة ، وأجمل شاعر تأثرت به هو الشاعر الذي يُعرفُ من أول بيت له قبل النظر إلى توقيعه في نهاية القصيدة .. مثلما تأثرت بأريج البستان الذي يفوح عطره قبل أن تلتقي عيناي بوروده .
* ما هي مشاريعُك المستقبليّة ؟
مشاريعي أن أرى كفّ الوطن خارجَ الأشواك .. وأن يمنحني الشعرُ منديلاً لأمسح دموعه .. وأن أكونَ قادرا على شدّ جرحه ولو بالمواساة .. فقل لي هل هناك أجمل من هذه المشاريع ؟
تأكد يا صديقي أن أي مشروع لا يفرش الزخارف والجمال تحت أقدام العراق يعتبر مشروع فاقد الشرعية .. لذا أحاول أن أحطّم مشاريع الموت عن مستقبل الكثيرين ..
* كيف استطعت توظيف الظروف التي يمر بها العراق في أشعارك ؟
ـ هل يسأل الليل كيف يلقي بعباءته على الكون ؟ وهل يُسأل الشجر لماذا يكون لونه أخضرَ ؟ .. إني جزء من الحركة والحالة ، فالظروف التي مرت بالجميع مرت بي أيضا وكل شخص ترجمها على طريقته وبشتى الوسائل والإيحاء .. فالعراق جرح الجميع قبل أن يكون وطن الجميع والنزف الذي يزخرف هو جرحه هو بمقدار ما قيل عنه أو ما كتب ، لذا لابدّ من أن أترجمَ عما أعيشه وأن أكتب كل ما أراه لأن العين التي لا ترى هذا الجرح ، والإحساس الذي لا يحسُّ به هو أمر مشكوك بأمره ، ربما لهذا ولد العراق في كل قصيدة كتبتها ، حتى في قصائد الغزل ..
* هل هناك مواقف معينة رسخت في ذاكرة زينل الصوفي ؟ حدثنا عنها ..
_ هناك موقف لا أستطيع أن أنساه أبدا ، موقف زلزلَ أعماقي ورجّ كلّ الحروف التي بداخلي ،، ذلك الموقف الذي جمعني بالوطن في المستشفى وهو جريح ، فحين وقعت عيناي بعينيّ نسي نزيفه وبكى حين رأى عليّ الثياب الممزقة ..
* لو سألتك عن الكلمات الآتية ، فماذا تقول فيها ؟
القصيدة : امرأة جميلة لا تكشف أبدا عن سر حضورها ولا عن شكل المكان الذي تحب أن نلتقي فيه .
الحبيب : إذا أنا كفٌّ هو للكفِّ أصابعُ ..
الوطن : أطلَّ فقطّعنَ الأيادي ، فلم يمرْ ببالِ سكاكينِ النساءِ جمالُهُ
أستطيعُ أن أقول هو يوسف العصر ..
الصديق : هو المرآة التي تعكسُ كل أشيائي بنقاء ..
الليل : الليلُ ينشر فــي سمائي ليلَهُ لأذوقَ من ثقب التأمل حنظلَهْ
فكأنّه مطـرٌ ، فتورقُ أزمتي أتراهُ فـي حزني يُجرّبُ منجلَهْ
* قبل أن نسدل الستار على هذا اللقاء الشعري ، ماذا تقولُ في كلمة أخيرة ؟
ـ شكرا لأنك فتحت شهيتي للكلام وجعلت الذاكرة تمر بعربة تجرها خيول أسئلتك فوق السنوات التي تركت بصمتها على صفحات عمري ..
شكرا لأنك لزمت الصبر وأنا أبوح بهواجس القلب وأترجم أوراقه بحروفِ وجدِهِ ..
تأكد بأن الفراشات كلها كانت تشاركنا في رسم حروف الحوار ، والموسيقى كانت تنهال من كل كلمة قلناها .. فتقبّلْ مني تحية لونها الربيع .. فكُنْ يا صديقي بزهورِهِ مدى الشعر ..
دانيال قاسم
التعليقات