جحا يزورالسلطان
لم يكن جحا قادرا , في أمسه القريب ونادرا , ما كان يفكر ويسعى , وهو يرثي لحاله وينعى , أن يمتثل أمام السلطان , بليلة يتلألأ فيها الشرطان , في زيارة غير مسبوقة , وعلى غفلة من الجوقة , التي تحرس في باحته , مرق بينهم خفيا براحته , حتى دخل الى البهو , على صاحب الهيبة والزهو, فقال انما جئت ناصحا , وما كنت يوما مادحا , ولا ذاما بغير قصد , بل آتيهما بمحص ورصد , سيدي ان العزة لله , فلا تكونن عاشقا للجاه , سوسه ينخر في الايمان , ويقسو الفؤاد بمر الزمان , انني لأضحك ملئ اشداقي , على عز أمام احداقي , يزول فانيا عن قريب , مودعا كما يحلو للغريب , هلا رأيتم مصير الأوائل , كيف جنحوا للسقوط بالموائل , وقد ماتوا رغم أنفهم , أو قتلا لشدة عنفهم , وفارقوا الرياض ونعيم القصور, وكل واحد كالأسد الهصور, حين يفتك بالشعب المسكين , كي يرضخ ابدا ويستكين , يا سيدي انما بقاؤكم , رهن لرضى الناس ونقاؤكم , من علل الفساد والتكبر, على رقاب الخلق والتجبر, بحق الغيرلمسك الصولجان , من مملكة الانس او الجان , فالأمرعند الناس سيان , والعبرة بصحة الفعل والبيان , في شرعة تطال الجميع , تأخذ بحق الحمل الوديع , من الذئب العجوز الأدرد , يستعين بالثعلب الماكرالأجرد , لاقتناص الفريسة بالناب والرصاص , دون الاحتكام لعدالة القصاص , وبعد الحكم يأتي القضاء , لأرضاء أهل الأرض والسماء , عليه أن يكون نابعا , من التحرر وليس تابعا , دون التمايز للشريف والوضيع , فيلمس عدله الطفل الرضيع , ويأتي للعقاب بالأمير والحقير, في الكبيرة وفي النقير, يا سيدي انما العدل , قوام الملك وأسه البذل , فلا تبخلن في مال , اصله للشعب ليس للوالي , ولتكن سخاؤك من العطايا , للناس ليس فقط للمطايا , من الأزلام العسس والعيون , وكاهل الفرد مثقل بالديون , هل ترقب فيه الطاعة , لحاكم يبيعه ويشتريه كالباعة , في سوق الفكر المؤيدي , والفكر النقيض يا سيدي , دعه يقول بملء الفم , ولا يخشى اراقة الدم , ما يحلو له ويبتغي , وهذا ما يجب وينبغي , ان يسود من طريقة , لادارة البلد كدولة عريقة , دون المساس بكرامة الفرد , وانتهاك حقه بالمنع والحرد , وبين الناس من يجهل , ومن البرك الآسنة ينهل , فكرا عقيما لا يجدي , نفعا للخلق وللشر يهدي , لكن قمعه بالفتك والقوة , يزيد ويوسع في الهوة , بين الناس وبين قادتها , ويحجب من ثقتها بسادتها , وتذكرجيدا سقوط رمسيس , كان بفعال هامان الخسيس , فما عليك الا التفادي , لمكرالحاشية عند التمادي , في غيها وبث الشرور, ولا تكن كالاسم المجرور, في شبه جملتهم الناقصة , وتميل حسب بوصلتهم الراقصة , لأن الفساد فيهم يتفاقم , وأمواج العفونة ببحرهم تتلاطم , فهلا غيرتم وجهة السفينة , وقبرنواياهم وأحقادهم الدفينة , وكفكف دموعا على خدود , ذرفت بفسادهم بلا حدود , من مقل للوطن تعشق , وليوم الخلاص منهم تحدق , ونفوسا تنتظر بفارغ الصبر, ساعة تشييع الفساد للقبر, فالأجندة القديمة اصبحت بالية , وبنودها من المنفعة خالية , رؤوس الفساد أعناقها استطالت , أمام صيحات للقطاف تعالت , حان الوقت لرمي القشور, والأخذ باللباب ليوم النشور, لايجرحنكم مولاي نصحي , فالحكمة فيه تستتر قبحي , ودعني قبل أن ينهق , حماري وروحي تزهق , أن أذهب لحال سبيلي , فقد اشتقت الى خليلي , الذي لا يرضى لأحد , ظلما من أحد للأبد , فرمقه السلطان بضحكة مريبة , وتعجب من هيأته الغريبة , فقال في نفسه واسوأتاه , هل أنا متيقظ واكبوتاه , كيف يكون المجنون حكيما , فحري أن أكون رحيما , وأنافح كل مفسد لئيم , لأن الرحمة شيمة الحليم , وتدحض الفساد في حقيقته , وتكشف زيف وزور عقيقته , وأراد الحاكم أن يستزيد , فقال له هل من مزيد , التفت جحا صوب العرش , وقال لمولاه صاحب الكرش , نعم فلا تخلو جعبتي , فهي سلواي وفيها لعبتي , ألعبها مع الحياة الكئيبة , وعلى هذه الأرض الرحيبة , ولكنكم جعلتموها تقصر وتضيق , وتشل الحركة فينا وتعيق , فلا نرى أبعد من أنوفنا , حتى نقضي ونلتقي بحتوفنا , فقال له السلطان غاضبا , ولم يزل لزينته مواضبا , هل نحن سبب علتكم , وترموننا بقيحها يا لذلتكم , ألم نسعى لكم جاهدين , وكنا لأجلكم ثوارا مجاهدين , ولم نعرف للراحة سبيلا , وذقنا الغربة وبعد القبيلا , وخضنا معارك الدماء كثيرة , لتبقى البلاد أبية أثيرة , وسقط منا جموع الشهداء , فهل نترك الحكم للبلهاء , الفقر ليس عيبا للملل , ولأقوام ترزح تحت العلل , من جهل وتخلف وأمية , فلم تتكالبون وتأخذكم الحمية , فأنتم لستم أهلا للتطور, وتلقوا علينا تهمة التهور, انما الحاكم مرآة لشعبه , فلم تستعجلون على نحبه , وانكم فاقدين لكل انتماء , ولا تعلمون غير الارتماء , للأغراب تحثون الخطى نحوهم , لتخطبوا ودهم وتعشقوا لهوهم , اليس هذا هو الخذلان , ودأب ناكري الجميل والعذلان , لم سكت يا بهلول , اراك واجما فماذا تقول , اليس ما قلناه صحيح , أم تحسبه نفثة وفحيح , فقال جحا صدقت مولاي , ولكن ما يزيد من سلواي , على شعب وصمته بالتخلف , وساذج لم يتعلم التكلف , على سجيته قليل الوعي , بفن الحكم وهدف السعي , والطبيعة فيه لم تزل , قبليا في جده والهزل , ولكن رغم كل ذلك , يا ايها السيد والمالك , ينبغي أن تكون عادلا , ولكرام السادة والملوك معادلا , انما ببيعته لبست التاجا , وأصبحت رأس الهرم والمهراجا , فلا تنسى ذلك العهد , وكن منصفا والتمس الزهد , ولا تكن للفاسدين درعا , ضاق الشعب منهم ذرعا , وسمع جحا نهيق حماره , فاستأذن مولاه ورجع لداره , والسلام ختام .
خيري هه زار
التعليقات