سلام
رجلا كان في الحادي والأربعين ، ولأطفاله التسعة خيرأب ومعين ، مفتول السواعد بالنشاط زاخرا ، أنيقا يرتدي من الثياب فاخرا ، ونهاره مترع ومليء بالكدح ، أمينا يقابله رب العمل بالمدح ، لم يفلح في تكملة الدراسة ، لكنه كان ذكيا بالمراسة ، وكان ذا أدب وخلق رفيع ، سمحا كريما طاهرالنجيع ، مبتسما ضحوكا في كل حال ، ولا يأبه لقلة وكثرة المال ، سوى سد الحاجة لأطفاله ، والحرص على تنشئة أنجاله ، في المأكل والملبس وتلقي العلم ، فكان خيرمحفزلهم وذا حلم ، يلاعبهم ويغدق عليهم الفكاهة ، لحبه لهم بلغ حد الشراهة ، وهم حين اللمة ينثرون العطرا ، على وجهه الصبوح أريجا وقطرا ، فيقضي المساءات معهم مبتهجا جزلا ، ما سمعته يوما شكا وأبدى عذلا ، نهرمن الرحمة لهم ينساب ، الى صدورهم كجرح بالبلسم يطاب ، فيزدادون تعلقا به ولا يرتوون ، من فيضه أبدا وفيه يفنون ، وعندهم هوالكل في الواحد ، فسبحان الله القديرالرشيد الماجد ، كيف يحيي القلوب فتتحد ، ويهيأ النفوس للحب فتتقد ، كل فرد في عائلته جمانة ، بنظره ولفرحة الأيام ضمانة ، ما فرق يوما بين أبن وابنة ، فكما البنيان يشيد لبنة لبنة ، فهما في عرفه ونهجه سيان ، وينسج بهما تصميمه للكيان ، بتهذيب وثقافة وأفكارمرنة ، يتوسط المبادىء بروح فطنة ، وشكيمة قوية سهلة القياد ، لرجولة مروءتها في ازدياد ، يستبشربالخيرفي كل محفل ، تراه متفائلا في شيمه بالمجمل ، وكان متفرغا لعمله على العموم ، الا عطلة الجمعة فيها كالفراشة يحوم ، حول أقاربه بالتساؤل والزيارة ، غيرمكترث لوعثاء وعثارة ، شديد الوفاء واسع الصدر، للمحسن وللموغل في الغدر، وحبه للمساكين زاده ادراكا ، وبصيرة بقبح الدنيا والفكاكا ، من ربقتها والتخلص من نيرها ، كأنه يبحث عن ملاذ في غيرها ، مستشعرا بقرب الموت والأجل ، ساهرا مع أطفاله رغم العمل ،
ويتجاذب معهم أطراف الكلام ، باستطالة في الوقع والوئام ، ملتمسا رضاهم بالبذل والعطف ، فالوردة الكبرى آيلة للقطف ، من خميلة حياتهم المزهرة ، وانهم سيفقدون أباهم الجوهرة ، كأنه كان يحس في قرارته ، بأن الوداع سيحل عليه بمرارته ، فما كان منه الا أن ينبري ، للتلبية لكل ما يشعر ويعتري ، في نفوسهم من مطلب وحاجة ، بشوق يكسو خدوده الوهاجة ، لا يأنف اللعب معهم والمزاح ، فيخلي للنفس سبيل الجماح ، ويراهم حبيبات متناسقات في عنقود ، لا يقدرون بأثمان الدنيا والنقود ، كل فلذه لكبده من الفلذات ، يفوق أطايب الروح والملذات ، وليس عنده في الدنيا كلها ، ما يقارن بهم بالقيمة وعلتها ، وفي سماءه أنجم ومصابيح ، وبعد موته صلوات وتسابيح ، وأدعية ترفع من أفواههم ، صوب الرحمن أسوة بأشباههم ، من ذرية صالحة مستجابة الدعاء ، من رب غفوريهب العزاء ، لكل فاقد للسلوى والصبر، لذوي ميت كان كالتبر، بين كل ذي قيمة ونفيس ، من الرجال بكل معيار ومقيس ، كان يوم جمعة من شوال ، حيث الخبر ينتشر بالجوال ،
وهو في قيلولته بعد الظهر، جاءته المنية ملبوسة بالطهر، من على فراشه في داره ، وعلى غفلة من أهله وجاره ، طعن قلبه بجلطة مميتة ، أودت به في ساعته المقيتة ، فأسلم الروح الى بارئها ، وطويت صفحة تحفظ لقارئها ، عند ذي العرش المجيد ، في لوح الى يوم الوعيد ، وترك خلفه عبرات ساخنة ، يسكبن من مقل سوداء داكنة ، على وجوه وردية ملساء ، من بنات سبعة صباح مساء ، وزوجة ودودة رؤومة وطفلين ، وثقل على كاهلها من حملين ، أحدهما لفقد الزوج والمعين ، وثانيهما رعاية الأطفال لسنين ،
نم نومة العريس في قبرك ، وذق نعيما نتاج صبرك ، فطوبى لمن يدعو له تسعا ، لا يرى من عذاب الله لسعا ، انما حزننا على ألم الفراق ، وما يعتري نفوسنا من الاحتراق ، كنت في فتوتك وشبابك ، دون علة دنت من بابك ، وا أسفاه عليك وعلى طيبتك ، وعلى طهر منبتك ونقاء طينتك ، لقد كنت تجاوز بها كل المدى ، ماذا بوسعنا ان نعمل ازاء الردى ، غير الصبرالجميل وضبط النفس ، وأن نجد لزيارتك في الرمس ، وندعو لك بقلب مفعم ، بالحزن والألم وعقل ملهم ، يتذكرك في كل دهر وحين ، بالأسى والتأوه لفقدك والحنين ، فقد كنت أمثولة للفضيلة ، ورمزا سامقا للحياة الجميلة ، ووالدا رحيما كريما شفيقا ، تحمل بين أضلعك قلبا رقيقا ، وكنت ذا حس مرهف ودودا ، عبرت بفضائلك ونخوتك الحدودا ، فلتهنأ روحك في لحدها بسلام ، يا من كنت تحمل اسم سلام ، والسلام ختام .
خيري هه زار
التعليقات