رواية ( نهايات الخريف : بدايات الشتاء )
رواية ( نهايات الخريف : بدايات الشتاء )
أسعد اللامي يصنع من اله الحرب أيقونة للحب
( زمن الرواية يؤول الى فضاء النص )
أن الأصل دوما في تأريخ فن السرد الروائي ، هو أن يستأثر بالسرد راوي عليم بكل شيء يحدث في النص ، يعرف ما وقع و ما سوف يقع ، يعرف الشخوص و يعرف عنهم و عن دواخلهم ، أكثر مما يعرفون ، كما الحال في سرود الملاحم
الكبرى ، والمأسي المسرحية الأغريقية والشكسبيرية ، و الرواية البوليسية أيضا على وجه التحديد : ألا أن ما قد أطلعنا عليه في رواية ( نهايات الخريف بدايات الشتاء ) للكاتب أسعد اللامي ، لربما يطلعنا على هوية أخرى غريبة من هوية الراوي ، والذي وجدناه أحيانا يتشظى الى حدود ، قد تبدو غير كاملة العلم داخل موجودات وعي الشخوص والأحداث ,
فهناك صوت سارد يعرف على أنه أحد شخوص الرواية ، وعلى أنه يتحدث بضمير التأنيث المباشر ، وهو يشغل صفة ملازمة المحور الرئيس في الأحداث والشخصية المركزية
( أياد ) من جهة أخرى نرى أحيانا صوت هذا الراوي ، لربما لا يشغل ، سوى ما يمت الى الرواية من تنقلات زمنية و أخباريات في تلوينات جاهزية الأمكنة ، في وقت نراه أحيانا أيضا ، لا يشكل سوى علامة ظاهرة شكلية البناء في منطقة اللامرئي من زمن أحداث الرواية ، على أية حال ، هذا الأمر يبدو غير هام ، ألا أن ما هو هام وأكثر أهمية ، هو مسار الأحداث و مسار تفاعل الشخوص نحو منطقة البناء العام .
( الفاعل في الرواية )
عند قراءة بعض من الفصول الأولى من الرواية ، نشعر بأن الكاتب ، قد بذل جهدا جهيدا في سبيل أيصال بعض من خصوصيات الفكرة البنائية ، مع ضرورة الأشارة المبدئية ، على أن تناول ( أسعد اللامي ) للحكاية الروائية كان جميلا الى حد صرف القارىء لكل عيوب العمل العضوية ، ألا أن هناك ثمة ملاحظات عندي بخصوص مساحة ( الفاعل في الروي ) و الذي تعتمد عليه ، أغلب فقرات الفراغات المتروكة للتلقي ، عمدا من أجل أن يبذل القارىء جهدا لملئها، مع الأشارة الى ما يشبه الأستحالة في وجود نصوص قادرة موضوعيا على أعفاء القارىء من بذل بعض الجهد في سبيل متابعة ( أحالات النص ) .. في رواية ( نهايات الخريف بدايات الشتاء ) نلاحظ وجود ذلك النوع من ملء الفراغات ، دون أعفاء القارىء ، لاسيما أن بعض من أحداث الرواية ، ما يجعلنا أمام تدرج غريب من العواطف و الأحاسيس لدى مكونات شخوص الرواية ذاتها ، فعلى سبيل المثال ، نرى
بأن شخصية ( طاهر ) كانت من ضمن أحداث الرواية ، هي من كلفت بأيصال جثمان صديقه ، الذي قد مات في الحرب الى دار أهله ، و بعد خروج عربة أحمال الجثث من موقع المعسكر ، في حين كانت تحمل تابوت الشهيد مع شخصية المكلف بأرساله وهو ( أياد ) فيما وهو متوجه الى منطقة
أهل المغفور لغرض تسليمه الى ذويه ، تواجهه أفعال متاهية تصل الى حدود صراع الذروة الدرامية ( أبصرت العربة ماتزال جاثمة عند الباب كحشرة كريهة صفراء رأت التابوت أيضا مازال معلقا في مكانه لم يتزحزح قيد أنمله / خزرت الجنديين الجالسين في القمرة بنظرة غاضبة أقتلعتهما من مكانهما نظرة لبوة جريحة محاصرة / أبصر الجندي الفتاة
تدفع الكرسي بهلع و أرتباك وسط أستغراب المرأة البدينة
التي بدأ له بوضوح من نظارتها السميكة التي علت أنفها
أن عينيها لم تكونا تتيحان لها أكثر من قدرة الأبصار المشوش/ هذا بيت الجندي طاهر عبد الكريم ؟ نعم ، أجاب الصبي بخوف أعقبته الفتاة هازة رأسها بأختلاط وهي لما تزال ممسكة بأمل ضعيف / طاهر أخي ؟ / نعم .. نعم ؟
مغلقا على الفتاة الموشكة على الأنهيار .. ) من خلال أقوال
هذه الفقرات ، نلاحظ بأن شخصية ( أياد ) كانت مكلفة بمسؤولية شاقة وكارثية ، وهي تتمثل بكيفية تسليم جثمان صديقه ( طاهر ) الى ذويه ، لاسيما و أن هناك شخصية أباه المريض ، و شقيقته ( حنان ) بجانب شخصية الأخ الأصغر
(علي) و من خلال طقوس مراسيم تسليم تلك الجثة الى ذويها ،تبرز هناك أحداث مفاجئة لدرجة الأستغراب و المفارقة و الضحك ، و ذلك بما يتعلق و نمو مشاعر عاطفية مابين شخصية ( أياد ) وأخت الميت (حنان) .. ولكن هل هذا يبدو طبيعيا ؟ أمام موجة العزاء والفقدان والمأساة و مشاعر موت الأخ الأكبر الوحيد صريعا في الحرب الظالمة ؟ أي هل من الممكن أن تحل بدل الدموع والفاجعة و تراب المقابر ، مشاعر وصراعات حب طارىء ودخيل ؟ هذا بدوره ما واجهنا داخل وحدات هذا المروي المقطعي ( في طريقه قبل أن يغادر الزقاق التقى خالي الصغير ضمه الى صدره بحنان
ثم همس في أذنه بأرتباك .. لدي شيء مهم أود أن أسلمه الى حنان ؟ / وقفا متقابلين هي في عطف الباب وهو الى الخارج قليلا / كان المطر مايزال ينث لكن ذلك لم يمنعهما من المكوث قليلا والنظر أحدهما الى الأخر بشكل عميق / رأى أبي للمرة الأولى أن وجه أمي كان عميق البياض مشعا في الليل / كان خصلات شعرها الأشقر التي ظلت معلقة بذاكرته منذ ظهيرة الأمس قد غيبها الأن غطاء حزن أسود / أنزلت أمي عينيها الى الأرض وخرج صوتها في أقصى حالات التأثر والأرتعاش ) اللافت في هذه المشاهد من الرواية ، بأن ما قد يجري من أحداث ومشاعر ، لربما لا يعكس فضاء وأجواء ما يحدث عادة في أزمنة الفواجع و أعماق فقدان الأخ الأكبر ؟ بل أن القارىء لهذه المشاهد من الرواية ، لربما يتصور بأن هناك أيعاز بحالة من حالات الحب الشديد و العلاقة الغرامية داخل قصة عاطفية الأحداث .. و على هذا تمضي أحداث رواية ( نهايات الخريف بدايات الشتاء ) نحو دوافعها الذاتية الخالية من مساحات الأقتراب من حقيقة الوقائع الموضوعية التي تجسدها مثل هذه الحالة عادة ، بل أن القارىء لأحداث الرواية لربما يجد من جهة ما ، بأن صوت السارد راح ينقل من بعض أحداث النص ، على أساس أنعدام التطابق ما بين زمن المروي و زمن المظهر الخارجي والداخلي للروي .
( الرواية و فضاء النص )
من خلال أحداث رواية ( نهايات الخريف بدايات الشتاء ) يتجسد للقارىء على أن هناك ثمة معمارنصي متعدد العلاقات الزمنية ، فعلى سبيل المثال ، هناك مفترق مابين أحداث الفصل الأول أزاء زمنية أحداث ومسرودات الفصل الثاني والثالث ، وعلى هذا فأن النص الروائي ، راح يتحرك بموجب حالة ممارسة سياقية تظهر بأن مستوى المحكي السردي ، تحتويه جملة متفاعلات معمارية واعدة على مستوى ( الميتاروائي ) و من جهة أخرى نلاحظ بأن الكاتب ،أخذ ينتج نصه بناءا على أحداث تقع ضمن حدود ثيمتان متضادتان في البنية والأتجاه ، وهي ( الموت / الحب ) و لعل أكثرها أهمية أن يكون النص ضمن مكونات سردية مبكرة المعنى والأداة .. أن رواية أسعد اللامي ، تعد بمثابة ترسيخ الخطاب الروائي وفق مسميات دون مسمى ما ،أي أن القارىء لروايته ، يشعر كما لو أن الأفعال الروائية ، هي مزيج وخليط من التحولات الحسية اللامبررة أحيانا شكلا وموضوعا ، كذلك فأن القارىء لها ، يرى بأن معظم أحداثها
، ماهي ألا محاولات للحكي بموجب أطراف سردية غير مصحوبة بأستقلالية التأثير و المؤثر داخل بنية الحدث الروائي .. و في الأخير لا أجد ثمة مفر ما من القول من أن رواية أسعد اللامي ، لربما تعد حالة جديدة من حالات عديدة
قد أجرى معالجتها كتاب الرواية العراقية ، ألا أنهم لم يقدموها بهذا الشكل النسقي المغاير والكاشف ، أي أننا بمعنى كثيرا ما قد قرأنا روايات عن الحرب ، ألا أنها كانت متوحدة في موضوعتها وتناولها لحالة وواقعة الحرب ، غير ان الأمر مع
رواية أسعد اللامي ، يبدو مختلفا قياسا مع حالات الأضافة وتغيير لغة ( اله الحرب ) الذي قد جعل منه أسعد اللامي أيقونة حب بدلالات وأبعاد تشيع فينا مشاعر الشفقة أزاء تولد ذلك الزمن الروائي الذي راح ينتج دلالته أنطلاقا من محاولة الكشف داخليا ، أي من داخل بواطن الشخوص ، و خارجيا أي بما تحمله أزمنة الرواية من مشاهد وتداخل بنائي : وختاما
أوجه شكري وثقتي للمبدع أسعد اللامي مع قولي هذا : أن فن الرواية ليس قريحة ذائقاتية فحسب ، بل أن الرواية فن و ممارسة وتقنية ، فلا يكفي أن تكون هناك شخوص و واقع
وحب و كراهية ومشاعر جياشة لمن نحب ، و أنما ألاهم من كل هذا ، هو كيفية وضع مخطط تقني من شأنه رسم أبعاد دلالات الشخوص وتحركاتهم داخل حلقات من أزمنة منظمة وراسخة .. و في روايتك الموسومة ( نهايات الخريف بدايات الشتاء ) هناك ثمة جمال هائل في وصف الأحداث و دواخل الشخوص ، حيث متغيراتهم الحسية والموقفية ، ألا أن هناك ثمة أختلافية و عدم أقناعية في تبدلات الأحاسيس و في وظيفية حركة الأزمنة ، والتي قد جعلت من واقع فضاء النص كما لو أنه ( لفظ دون معنى مطابق ؟) أو جذرية
دون وجود جذر حقيقي ؟ بل أنها أضاءة دون ضوء دال وموجه ؟ عزيزي المبدع أسعد اللامي ؟ أنا شخصيا وعند قراءة الفصول الأولى من روايتك الموقرة ، وجدت نفسي
أسير جمالية غير أعتيادية من ما قد أضفته علية أحداث شخوصك الخارقة ، كما و كنت أسير تلك البراعة الكبيرة في رسمك لأحداث و مكونات مشاعر ودقة تحولات الأحداث ، ألا أنني وعلى وجه التحديد في بعض فقرات فصولك الأخيرة من الرواية ، لم أجد ما كانت تسوغه علية أنطباعية وأثر تطور احداث بدايات الرواية ، أي أن أحداث الرواية مع صوت السارد ، أصبحت كما لو أنها داخل منطقة من النمطية
والخصوصية الظاهرة في الشكلية ، مما لا يولد فينا في الوقت نفسه ، قناعات و جماليات القراءة الأولى لزمن الرواية .. أتمنى أن تكون محط أنظار نقدية هامة ، بل و أكثر أتساعا و نباهة مما عليه مقالنا هذا ، و أنا على يقين دائما بأن فن الرواية لديك نابع من فهم حقيقي ، و أنطلاقا من موهبة الروائي الذي لا عهد لي بمثله في رواية الحرب العراقية ..
حيدر عبد الرضا
التعليقات
الاسم: |
فراس حمودي الحربي |
التاريخ: |
2011-07-14 16:38:46 |
|
حيدر عبد الرضا
------------------ رائع ما خطت الانامل لك الرقي
شكرا دمتم سالمين ياابناء النور
تحياتي الفراس الى الابد سفير النور للنوايا الحسنة |
|