قصة قصيرة / انين قلب
رحت ابحث عن روحي في دهاليزها الموحشة , اتلمس طريقي في ظلامها الدامس , تارة اتعثر في خطاي , وتارة احثها , متوغلا في منعطفاتها حتى تناهى الى سمعي انين ارتجت له دهاليز الروح فتلبسني الخوف تماما .. غير اني ما لبثت ان تمالكت شجاعتي , ونفضت الخوف عن نفسي عازما الامر على ان اواصل رحلتي اليها . فتوجهت صوب الدهليز الذي ينبعث منه ذلك الانين , وما ان اقتربت منه حتى ادهشني ذلك النور الذي يغمره وذلك الانين الذي يتعالى صداه حتى في داخل جسدي فاعترتني رعشة حثت قدماي نحو باب الدهليز, فابصرت قطعة صغيرة على ناصيته , كتب عليها : هنا تقبع روح"....." فاختلطت احزاني بفرحة وصولي اليها .. وانا احدث نفسي : نعم هذا اسمي وانها روحي وها هو جسدي ينجذب اليها .. وعند بابها كان هنالك حارسا مدججا بالسلاح مكفهر الوجه , دنوت منه , وبعد ان القيت بتحيتي عليه , رجوته ان يسمح لي بمقابلة روحي لكنه زجرني بعنف وامرني ان ابتعد من هنالك لان الروح تحتضر فاخذت اتوسل اليه : ارجوك دعني اقابلها .. انها روحي جئت ابحث عنها .. اشكي لها امري .. استبدت بي الهموم .. لا معين يعينني .. انوء بهموم اهلي .. وعصري .. جئتها مستغيثا . فكان رده ان سدد لي ركلة على بطني ,فرشتني على الارض , فندت مني صرخة حادة من شدة الالم الذي انتابني ويدي على بطني , اتلوى من الوجع كأن سكينا تقطع احشائي , وكدت استفرغ ما في معدتي . ثم اردف محذرا : انهض وعد من حيث اتيت والا ساطلق الرصاص عليك . فاجبته بصوت خفيض متوسلا : ان روحي تحتضر ... كيف لا التقيها . ولكن لم يرق لي قلبه , وكررت توسلاتي له , حتى كدت اقبل يديه .. غير ان محاولاتي معه ذهبت سدى . وبعد ان يئست تماما من عطفه وبينما كنت جاثما على الارض عند قدميه راودتني فكرةان ادخل عنوة . فانقضضت على ساقيه بكلتا يدي رافعا جسده الثقيل الى الاعلى ملقيا به على الارض بكل ما املك من قوة ابقاها لي هذا الزمن القاهر بعد ان اخذ الكثير من قواي ثم اسرعت الى حيث تقبع روحي .. وما ان دخلت دهليزها حتى عاودني الخوف من جديد .
ابصرتني ثم نهضت من مرقدها سقيمة عليلة .. ناحلة حزينة وقفت امامها مذهولا ارتعد خشية ورهبة لجلالها, انه اول لقاء يجمعني معها , وربما سيكون اللقاء الاخير. تقدمت نحوي مرحبة بقدومي اليها : اهلا بجسدي الوفي . فرددت عليها : اهلا بروحي الطاهرة النقية انجذبنا نحو بعضنا , تعانقنا بحرارة ثم قالت والحزن يخالط صوتها سنفترق يا صاحبي, شددتها نحو صدري بلهفة واجهشت بالبكاء لفراقها , قبلتها وقبلتني وقبلة اخرى دافئة تطبع على خدي , افقت من نومي على اثرها فاذا هي قبلة زوجتي , فتحت عيني فقد كانت يدها اليمنى تحت راسي , اتوسدها ويدها الاخرى تحيط بخاصري جذبتها نحوي .. كلمتها فلم تجب , انتابني الخوف من ان تكون صحتها قد تدهورت مرة اخرى وهي تصارع مرضها الخبيث الذي سكن جسدها منذ سنوات طوال . جلست في فراشي , احدق في وجهها الشاحب اتلمس اطرافها فكانت باردة كالثلج , هززت جسدها الضامر لعلي استنطقها فلم تنبس بكلمة , وعاد الانين يقرع طبلة اذني .. هل هو انين روحي ام انين زوجتي .. وبعد لحظات توقف كل شيء فما عاد الانين يقرع اذني مرة اخرى فقد سكن قلبي .
كاظم فرج العقابي
التعليقات