الرصاصة اليتيمة
من حقهم علينا أن نخلدهم
ولو بكلمات متواضعة
كواكب الساعدي
مهداة إلى العاشق الأبدي للمسرح
قصة قصيرة من الواقع
الفتى الجنوبي الطيب جداً المهووس بالمسرح اضطرت عائلته إلى النزوح معه إلى العاصمة لما نال ما كان يصبو إليه بدخول أكاديمية الفنون الجميلة (قسم المسرح) ملّت المرايا من تقمصه لشخوص الروايات.
حتى امة النصف متعلّمة حفظت أسماء كهاملت ماكبث, عطيل وجولييت وغيرها وحفظت الحوارات عن ظهر قلب لما يحضنها هاتفاً:روميو روميو. يضحكان يلهج قلبها بالدعاء.
كان يوما حافلا بالفرح والانتصار ما إن وطئت أقدامه الصرح الأكاديمي غير مصدقاً نفسه أراد أن يهم بالصراخ "وجدتها وجدتها" لولا حداثة عهده بالمكان:
"أخيرا تحققت الأماني ها هو طريقي نحو المجد يومئ إليّ. ترجل ! فدربك مفروش بالورود ."
كم توّسلوه بدخول قسم الرسم أو أي قسم آخر
لكن عشقه للمسرح طغى على كل عشق ولما رؤوه مصرّاً على غايته رضخوا لأمره
حاكى الفنانين بإطالة شعره وبهندامه البوهيمي وبإشارات يديه محاكياً أبطال مسرح شكسبير. كان يقابل مزاح أقرانه الثقيل بالتحدي :
"سأصبح لورنس اوبيفيه العرب وسترون."
يزيدون في الإيغال بمشاكسته تتلوّن سحنته الطيبة بالاحتقان سرعان ما يروق, لما يهمّون بتقبيله.
كانت الفرصة الذهبية قد واتته لما جاء وفد من السينما والمسرح لاختيار مجموعة من الكومبارس لأدوار ثانوية لفيلم روائي وكان دوره لا يتجاوز الخمس دقائق. ثُلّة من الفتية يطلقون النار على موكب رئاسي و دوره أن يصوّب مسدسه نحو الزجاج الأمامي للموكب فتأتيه رصاصة تثقب منتصف جبينه ترديه قتيلاً ويختفي عن مسرح الأحداث.
يا إلهي كم كان مزهواً طائراً على أجنحة السعادة كاسباً رهان التحدّي وخاصة بعد أن عرض الفيلم وكانت صورته واضحة ودوره على قصره كان مؤثراً.
دخل الوطن في أتون الحرب الطويلة التي عربتها النارية سحقت خِيرة الشباب الطامحون إلى العلا بعد قضاء الليالي بحياكة الصبر بتؤدّة لمستقبل غامر بالأمل,حملوا أمتعتهم وأرواحهم وأمانيهم لساحات الوغى وكل ظنهم أنها غيمة صيف سرعان ما تنقشع.
تسربل بطلنا بملابس الحرب بكل الاندفاع المعروف عن شعبه, وهل هناك اعز من الوطن؟
وكان نصيبيه إحدى الجبهات الحامية بعد إجازات تُعَد على أصابع اليد فاضت روحه بالشهادة, بكاه الذين عرفوه بحرقة وعُلِقَت رايته السوداء مع رايات كثيرة اكتضت بها الجدران.
يقسمون الذين جهزوه لرقدته الأخيرة بأغلظ الإيمان أن جسمه كان يحتفظ بدفئه الأول مسبلاً أهدابه كالملائكة يغط في نوم عميق تنفرج شفتاه عن ابتسامة كأنهما تتمتمان: "انتظروني في ادوار مقبلة".
نقبّوا جسده الطاهر لم يُجتَث منه شيء ولا قلامة ظفر سوى علامتان فارقتان ميّزته في اليد اليمنى كومة عشب قابضاً عليهما بضراوة وثُقب في منتصف جبينه اخترقته رصاصة رعناء كالأولى يبرق كنجمة تضيء دربه نحو الأبدية.
كواكب الساعدي
التعليقات
الاسم: |
فراس حمودي الحربي |
التاريخ: |
2010-12-26 17:52:39 |
|
كواكب الساعدي صاحبة القلم النبيل دمت نور في النور مع الود
حياكم الله من ذي قار سومر شكرا دمتم سالمين ياابناء النور تحياتي الفراس الى الابد |
|
|
رائعة انت يا ايتها الاخت كواكب الساعدي تقبلي مودتي ودعائي
|
|
الاسم: |
سلام نوري |
التاريخ: |
2010-12-25 18:42:36 |
|
صور سردية جميلة ياكواكب كنت قد تركت ردا هنا يبدو ان النت قد ابتلعه وها انا اعاود الكرة لادون اعجابي سيدتي مزيد من الابداع |
|
|
أخي جبار حمادي المحترم كنت متوجسة لولوج ميدان غير ميداني مخبئة رأسي من يوم أمس بين أوراقي ما خط يراعك أنزل السكينة على قلمي لك مني الاحترام والتقدير. |
|
|
كواكب الساعدي
مررت طويلا بجمالية تصاويرك الشعرية ..مزهوا كنت بها وها انتي تدهشيني بروي جميل ..لك الاحترام |
|